الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن هذا تأويلات الملاحدة الزنادقة المنافقين من المشركين، والصابئين، والمتفلسفة، ونحوهم، لما أخبر الله به من أمر اليوم الآخر، فلا يجعلون لذلك حقيقة غير موت الإنسان، كما يقولون في قوله تعالى: إذا الشمس كورت [التكوير: 1] المراد شمسه التي هي قلبه، و إذا السماء انفطرت [الانفطار: 1] سماؤه التي هي أم / رأسه، وإذا النجوم انكدرت [التكوير: 2] هي حواسه، وإذا العشار عطلت [التكوير: 4]، رجليه، و إذا زلزلت الأرض زلزالها [الزلزلة: 1]، يديه، وإذا الوحوش حشرت [التكوير: 5] قواه لاسيما العصبية، ودكت الجبال، هي عظامه، ونحو ذلك.

وهذا كثير في كلام هذه الملاحدة من الباطنية، والقرامطة، وطائفة من الاتحادية، وأصحاب رسائل إخوان [ ص: 342 ] الصفا، وأصحاب السهروردي الحلبي المقتول على الزندقة، ونحو هؤلاء.

وإن كان كثيرا مما يثبتونه أو [أكثره] حق، فإنه كما [ ص: 343 ] روي عن المغيرة بن شعبة "أنه من مات فقد قامت قيامته، والقيامة يراد بها –أيضا- انخرام القرن.

وما يثبتونه من معاد النفوس حق، وما يثبتونه من حيث [ ص: 344 ] الجملة من النعيم والعذاب الروحاني حق، وما [يثبتونه] مما يدخل فيما أمرت به الرسل من الأخلاق الفاضلة، والسياسات العادلة، ونحو ذلك حق.

فما من أمة إلا ومعها حق، ومعلوم أن الحق الذي بأيدي اليهود والنصارى أكثر من الحق الذي مع هؤلاء.

فإن جنس أهل الكتاب خير من جنس الصابئين، كما أن جنس الصابئين خير من جنس المشركين.

لكن المقصود أنهم فيما كذبوا أو ارتابوا فيه من الحق الذي أخبرت به الرسل يسلكون مثل هذه التأويلات التي يعلم بالاضطرار أن الرسل لم ترد ذلك، فقد سلك الرازي هذا المسلك في مناظرتهم في المعاد. وقال: "إنا نعلم بالاضطرار [أن] إجماع الأنبياء من أولهم إلى آخرهم على إثبات المعاد البدني، فوجب القطع بوجود هذا المعاد".

التالي السابق


الخدمات العلمية