الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما قول من يقول: "إن العالم نفسه هو وجود الله، وأن الإنسان هو [مظهر] ذات الله الأكمل" ففيما تقدم كفاية في بطلان قول من حمل الحديث على مجرد كون الإنسان [ ص: 612 ] مخلوقا على صورة الله التي هي العالم، وبطلان كونه خليفة عن الله، [وأما ما يختص به] هؤلاء من الرد عليهم، وبيان كفرهم وضلالهم، فهو مذكور في غير هذا الموضع.

بل على أصلهم يمتنع أن يكون آدم مخلوقا على صورة الله إذ على أصلهم ليس في الوجود شيئان أحدهما خالق والآخر مخلوق، بل الخالق هو المخلوق عندهم.

وأيضا فإنه قال: "لا تقبحوا الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته" فنهى عن تقبيح الوجه لكون آدم مخلوقا على صورة الله، وعندهم أن وجود كل موجود هو عين وجود الرب، وكل تقبيح ولعن وشتم وذم في العالم فهو واقع على الرب عندهم، كما يقع عليه كل مدح ودعاء، وهو عندهم الداعي والمدعو له، والمصلي والمصلى له، واللاعن والملعون، والشاتم والمشتوم، والقاتل والمقتول، والناكح والمنكوح، فلا يتصور عندهم أن يختص شيء بعينه بالنهي عن التقبيح، لكونه على صورة الله، إذ ليس في الوجود مقبح وغير مقبح، إلا ما هو من صورة الله عندهم.

وكذلك قوله: "لا يقل أحدكم قبح الله وجهك، ووجه من [ ص: 613 ] أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورته" جعل مجرد المشابهة لوجه الله مانعا من الضرب، وعندهم أن كل ضرب في العالم أو قتل واقع على نفس الرب، وهو الضارب لنفسه بنفسه، وأن العالم كله هو صورة الله الذاتية، لا يعنون بها الصورة المخلوقة المملوكة، بل عين وجود العالم هو عين وجود الحق.

ثم إن صاحب (الفصوص) وهو مع كونه إمامهم فهو أبعدهم عن محض الإلحاد، لما يوجد في كلامه من لبس الحق بالباطل، يفرق بين الوجود والثبوت فيقول: إن الأشياء ثابتة بأعيانها في [القدم] ونفس الوجود الفائض عليها هو [ ص: 614 ] وجود الحق، فيوافق من يقول إن المعدوم شيء في الخارج، لكن يجعل وجود الكائنات عين وجود الحق، ولا يجعل وجودا متميزا عن المخلوقين، ولهذا يضطرب فيجعله هو هو من وجه، وهو غيره من وجه، لأن الفرق بين الوجود والثبوت فرق باطل.

فجاء بعده من أتباعه مثل القونوي ونحوه، من لم يسلك هذا المسلك، بل فرق بين الوجود المطلق والمعين، فجعل الحق الوجود المطلق الساري في [ ص: 615 ] الموجودات، وأما المعين فهو الخلق.

ومن المعلوم أنه ليس في الخارج وجود مطلق سوى الموجود المعين، فهو أراد أن يفرق بين الحق والخلق، فلم يفرق في الحقيقة، بل اضطرب كما اضطرب أستاذه.

التالي السابق


الخدمات العلمية