الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والمقصود :أن هذا المنقول عن أحمد كذب عليه. ولم يقل أحمد قط إن قوله: كن فيكون (117) خطاب بحرف وصوت يوجد من الله تعالى في كل لحظة [بعدد] كل مكون، [ ص: 132 ] ولا توجد هذه العبارة في شيء من كلامه، ولا من كلام أصحابه.

وكذلك أحمد لم يحسم التأويل إلا في هذه الأحاديث الثلاثة. وقد ذكرنا من كلامه في مسمى التأويل وتأويل الأحاديث في هذا الباب ما فيه كفاية.

وفي كتاب (السنة) للخلال، وغيره من الكتب من كلام الإمام أحمد ما يعرف به مذهبه، وسنبين أن استثناء هذه الأحاديث الثلاثة من التأويل لا يصلح أن يقوله أحد من المنتسبين إلى غلمان أحمد، فضلا عن أن يقول هو، وإنما يصلح أن يثبت هذه الأحاديث ويجعلها مما يتأول مثل هؤلاء الذين لا يعرفون الأحاديث الصحيحة من الضعيفة، ولا يعرفون دلالة الألفاظ حتى يميزوا ما هو تأويل مخالف للظاهر وما ليس تأويلا مخالفا للظاهر، فلقلة معرفتهم بأعلام الهدى، وهي ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم ووجه دلالتها يقعون في الحيرة والاضطراب، حتى لا يميزوا بين ما يقبل من كلام الفلاسفة والمتكلمين وما يرد، بل [ ص: 133 ] تارة يوافقونهم، وتارة يخالفونهم، وتارة يكفرونهم، فهم دائما متناقضون في قول مختلف يؤفك عنه من أفك.

وأبو حامد من خيارهم وأعلمهم وأدينهم، وهو مع هذا يكفر الفلاسفة، فضلا عن أن يضللهم تارة، وتارة يجعل ما كفرهم به من العلم المضنون به على غير أهله. ويضلل المتكلمين تارة ويجعل طريقهم ليس فيها بيان للحق، وتارة يجعلها عمدته وأصله الذي يضلل من خالفه، وكذلك تارة يقول في الصوفية الأقوال المتناقضة، فتارة يجعلهم خاصة الأمة ويفضلهم على الفقهاء، وتارة يمنع إعطاءهم الزكاة، ويوجب عليهم الاكتساب، [ ص: 134 ] مع [إباحته] إعطاء الزكاة للمتفقهة، وإن كان في آخر عمره مال إلى طريقة أهل الحديث، وكان كثير المطالعة لصحيح البخاري، وبذلك ختم عمله وعليه مات، وهو أفضل أحواله، والله تعالى يغفر لنا ولسائر إخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا [يجعل] في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.

ومع هذا فأبو حامد لم يعرف في كلامه خروج [إلى] الشرك وعبادة الأوثان، بل غاية ما ينتهي إليه ضلال الصابئين، من المتفلسفة ونحوهم.

[ ص: 135 ] فكيف بمن يخرج إلى الإشراك بالله الصريح، والردة إلى الأمر بعبادة الكواكب والأوثان؟! وإن كان قد تاب من ذلك، وأسلم بعد ذلك، فإنه يكون كالذين ارتدوا على [ ص: 136 ] عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ثم عادوا، مثل الأشعث بن قيس، والأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، ومن خيار من عاد إلى الإسلام من المرتدين عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فإنه [ ص: 137 ] كان كاتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم وارتد ثم أسلم عام فتح مكة.

التالي السابق


الخدمات العلمية