الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
والغرض أن هذا ليس مما اتفقت الأئمة على تأويله [ ص: 223 ] فلا يكون حجة له.

فإن قيل: فقد ذكر الخطابي وغيره أن هذا الحديث مما يتأول بالاتفاق. فقال أبو سليمان الخطابي، في كتاب (شعار الدين): "القول في مراتب الصفات: أن قوما من المثبتين للصفات أفرطوا في تحقيقها، حتى خرجوا إلى ضرب التشبيه والتمثيل، كما أفرط قوم في نفيها، حتى صاروا إلى نوع من الإبطال والتعطيل، وكلا القولين خطأ وخطل، وللحق [ ص: 224 ] بينهما نهج واضح، لا يخفى صوابه على من وفقه الله.

فأما النفاة من الجهمية فإنهم قصدوا إلى كل شيء يفهم ويدرى أو يتوهم من أسماء الله وصفاته فسموه تشبيها بغير حجة.

وأما المشبهة فإنهم حملوا كل شيء من هذا على حقيقة اسمه [بظاهر] معناه من غير تأويل له، أو يخرج على وجه يصح على معاني أصول العلم، وتعسفوا -أيضا- في جهات مأخذها، حتى جعلوا شيئا كثيرا مما تلقفوه من أفواه الناس، وحفظوه من ألسن القصاص وسمعوه رواية عن قراءة الكتب، مثل كعب، [ ص: 225 ] ووهب، وأمثالهما، مثل نوف البكالي، وعن بعض أهل التفسير، كمقاتل بن سليمان، وكأشياء تروى عن مجاهد، ومن نحا نحوه من [المقتحمين] في هذا الباب: أصلا يعتقدونه دينا، ويتخذونه مذهبا، وهذا مما يجب [التثبت] فيه [ ص: 226 ] و [التوقف] عنه، فإن هذا الشأن أعظم من أن يدخله شيء من التساهل، أو يكون فيه للظن مدخل، أو للتأويل موضع، أو للعقل والقياس متعلق، إنما طريق العلم به السماع، أو التوقيف من قبل الكتاب المنزل، أو قول الرسول المرسل بالخبر الصحيح، الذي يقطع العذر به. وقد أخبر الله أنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فقطع الشبه بينه وبين الأشياء كلها، وأبطل القياس فيها، وقال سبحانه وتعالى: ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء [البقرة: 255]، وقال: ولا تقف ما ليس لك به علم [الإسراء: 36]، وقال: وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون [البقرة: 169].

التالي السابق


الخدمات العلمية