الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما من يقصد إبطالها وبيان فسادها فإنه يقول- في:

الوجه السابع: قد أجمعت هذه الطوائف وسائر المسلمين وسائر أهل الأرض على أن في التأويلات ما هو باطل، ولم يتفقوا على أن [ما] فيها (ما) هو حق كما تقدم، وأن الحق الذي اتفقوا عليه قليل معروف، وكل منهم يدعي أن العقل يوجب تأويله يدعي الآخر أنه باطل، وأن العقل الذي يدعي أنه أوجب باطل، يعلم بطلانه بالعقل أيضا: كانوا مختلفين فيما يقولون إنه العقل الذي يجب اتباعه، وحينئذ فلا بد من عقل يميز بين العقل الصحيح والعقل الفاسد، لكن هذا العقل هو من جنس عقولهم فيكون معرفة صحيح ذلك من باطله [ ص: 297 ] بما يسمونه العقل [متعذرا] وإذا كان كذلك ثبت أنه لا يمكن معرفة الصحيح من الفاسد فيما يسمونه عقليات مما يسمونه عقلا، وإذا لم يمكن معرفة ذلك امتنع اعتقاد موجبه، أو القول به، وإذا كان كذلك وهذا هو مستندهم الذي أوجبوا به تأويل النصوص فيكون هذا برهانا قاطعا على أن مستندهم الموجب للتأويل باطل، وإذا بطل مستند التأويل بطل التأويل؛ لأنه لولا [معارضة] المعقول لهذه النصوص [لما كان] تأويلها باطلا بالاتفاق، فثبت أن تأويلها باطل. وهذا يدل على شيئين:

يدل على أن التأويل محرم، إذ هو قول بلا علم.

ويدل على أنه باطل. بمعنى أنه غير مطابق للحق؛ لأن المتكلم الذي تكلم بكلام له ظاهر وله باطن يخالف الظاهر [ ص: 298 ] يمتنع أن يريد به إفهام المخاطبين خلاف الظاهر بلا دليل. فإذا ثبت أنه لا دليل يعلم به ما يخالف الظاهر، ثبت أنه لم يرد به إفهام ما يخالف الظاهر، وهذا بشرط أن يكون المتكلم مقصوده البيان والإفهام، وهو حكيم، فأما إن كان مقصوده التدليس والتلبيس، أو كان جاهلا فلا يمتنع أن يخاطب الناس بما يفهمون منه خلاف مقصوده، أو أن يدلهم بغير دليل، لكن هذا متفق على انتفائه في حق الله ورسوله.

التالي السابق


الخدمات العلمية