الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والمقصود هنا أن أبا حامد تكلم بمبلغ علمه، وما وصل إليه من كلام السلف والأئمة، ولهذا كلامه في ذلك في غاية التقصير، فإن كلام الإمام أحمد بن حنبل في [الأصول] مع أنه ملء الدنيا، وقد صنف في ذلك مصنفات، وما من مسألة منها إلا وقد ذكر فيها من الدلائل وكلام الله ورسوله والصحابة والتابعين ما شاء الله، وناظر الجهمية، وغيرهم من الذين حرفوا باب الإيمان بالله واليوم الآخر، ومع هذا فلم يكن [ ص: 120 ] عنده منه شيء.

وكذلك غير كلام أحمد بن حنبل (من كلام الصحابة والتابعين فيه أعظم مما في كلام أحمد بن حنبل ونحوه، فإن أحمد بن حنبل) لم يبتدع من عنده شيئا، ولكن كان أعلم أهل زمانه بما أنزل الله على رسوله، وما كان عليه الصحابة والتابعون، وكان أتبع الناس لذلك، وابتلي بالمخالفين من أهل الأهواء، ومناظرتهم بالخطاب والكتاب، والرد عليهم، فأظهر من علوم السلف ما هو متبع فيه، كسائر الأئمة قبله، وما من قول يقوله إلا وقد قاله بلفظه أو بمعناه ما شاء الله من الأئمة قبله، وفي زمانه، وعليه من الدلائل ما شاء الله، فلهذا اتخذته الأمة إماما؛ لأن الله تعالى يقول: وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون [السجدة: 24].

وكان الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- ممن آتاه الله من الصبر واليقين بآيات الله ما استحق به الإمامة، حتى اشتهر ذلك عند الخاصة والعامة، فصار لفظ الإمامة مقرونا باسمه أكثر وأشهر [مما] يقترن باسم غيره.

[ ص: 121 ] قال أبو بكر الخلال في أثناء (كتاب السنة): "قال: أبو بكر المروذي قال: وقال ابن [ ص: 122 ] دريد في قوله تعالى: وإن جندنا لهم الغالبون [الصافات: 173]: هم أهل السنة.

وقال عبد الوهاب الوراق: إن لم يكونوا هذه العصابة [ ص: 123 ] فلا أدري أي عصابة هي؟!. قال أبو بكر الخلال: فهي عصابة أحمد بن حنبل -رضي الله عنه- الذابون عن السنة، [المحيون لما أماته] الناس من السنن عن أهل الخلاف، وإظهار ذلك، وإحياء أمر المجانبة لأهل الزيغ والجدال، والتمسك بما عليه إمام الناس في زمانه أحمد بن حنبل رضي الله عنه.

وأبو حامد كانت مواده في العلوم الإلهية: من المتكلمين، والفلاسفة والصوفية. الذين فهم كلامهم، وقد [ ص: 124 ] ذكر في (المنقذ من الضلال) أن هؤلاء هم والباطنية هم الخائضون في [هذا] الفن، وذكر بعض ما في طريق الباطنية [ ص: 125 ] من الضلال، وهو كثيرا يعيب طريقة المتكلمين والفلاسفة، ويذكر أنها لا توصل إلى علم ويقين. / 50 وكان يؤثر من طريق الصوفية مجملات لم يفصلها، ولم تتفصل له، بل يحيل على مكاشفات ومشاهدات لا وصل إليها، ولا رأى من وصل إليها.

التالي السابق


الخدمات العلمية