الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وإذا تقرر أن تأويل الصحابة مقبول فتأويل ابن عباس أولى بالاتباع والقبول، فإنه البحر العباب، وبالتأويل أعلم الأصحاب، فإذا صح عنه تأويل الاستواء بالاستقرار، وضعنا له الحد بالإيمان والتصديق، وعرفنا من الاستقرار ما عرفناه من الاستواء، وقلنا إنه ليس باستقرار يتعقب تعبا واضطرابا، بل هو كيف شاء وكما يشاء، والكيف فيه مجهول، والإيمان به [ ص: 404 ] واجب، كما نقول في الاستواء سواء.

فأما إذا لم يكن السلف صحابيا نظرنا في تأويله، فإن تابعه عليه الأئمة المشهورون، من نقلة الحديث والسنة، ووافقه الثقاة الأثبات تابعناه، وقبلناه، ووافقناه، فإنه وإن لم يكن إجماعا حقيقة إلا أن فيه مشابهة الإجماع، إذ هو سبيل المؤمنين، وتوافق المتقين، الذين لا يجتمعون على الضلالة، ولأن الأئمة لو لم يعلموا أن ذلك عن الرسول والصحابة لم يتابعوه عليه.

فأما تأويل من لم يتابعه عليه الأئمة فغير مقبول، وإن صدر ذلك التأويل عن إمام معروف غير مجهول نحو ما ينسب إلى أبي بكر محمد بن خزيمة تأويل الحديث "خلق الله آدم على صورته" فإنه يفسر ذلك بذلك التأويل ولم يتابعه عليه من قبله من أهل الحديث، لما روينا عن أحمد "رحمه الله تعالى"، ولم يتابعه –أيضا- من بعده، حتى رأيت في كتاب (الفقهاء) [ ص: 405 ] للعبادي، الفقيه، أنه ذكر الفقهاء وذكر عن كل واحد منهم مسألة تفرد بها، فذكر الإمام ابن خزيمة، وأنه تفرد بتأويل هذا الحديث: "خلق الله آدم على صورته" على أني سمعت عدة من المشايخ رووا أن ذلك التأويل مزور مربوط على ابن خزيمة، وإفك افتري عليه، فهذا وأمثال ذلك من التأويل لا نقبله ولا يلتفت إليه، بل نوافق ونتابع ما اتفق الجمهور عليه.

التالي السابق


الخدمات العلمية