الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فأما الطريقة التي لخاصة المسلمين، أهل الوراثة النبوية، والخلافة الرسالية، أهل السنة ظاهرا وباطنا، المقتبسين من مشكاة الرسالة، أهل العلم والإيمان، الذين يرون أن ما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق من ربهم، الذين قذف الله في قلوبهم من نوره ما أبصروا به [وأيقنوا] بحقائق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. فهؤلاء لم يصل أبو حامد إلى معرفتهم، ومعرفة طريقهم، وإن كان يومئ إليهم جملة لا تفصيلا، ويشتاق إلى سبيلهم، لكونه [ ص: 126 ] كان قليل المعرفة بالحديث والآثار، والمعرفة لمعانيها، وكان يقول: بضاعتي من الحديث مزجاة. كما نقل عنه أبو بكر بن العربي أنه سمعه منه.

ولهذا في كتبه من المنقولات المكذوبة الموضوعة ما شاء الله، مع أن تلك الأبواب يكون فيها من الأحاديث الصحيحة ما فيه كفاية وشفاء. ومن ذلك هذا النقل الذي نقله عن أحمد، فإنه نقله عن مجهول لا يعرف. وذلك المجهول أرسله إرسالا عن أحمد. ولا يتنازع من يعرف أحمد وكلامه أن هذا كذب مفترى عليه، ونصوصه المنقول عنه بنقل الثقات الأثبات والمتواتر عنه يرد هذا الهذيان الذي نقله عنه، بل إذا كان أبو حامد ينقل عن [ ص: 127 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين من [الأكاذيب] ما لا يحصيه إلا الله فكيف ما ينقله عن مثل أحمد؟!.

ولم يكن ممن يتعمد الكذب، فإنه كان أجل قدرا من ذلك وكان من أعظم الناس ذكاء، وطلبا للعلم وبحثا عن الأمور، ولما قاله كان من أعظم الناس قصدا للحق، وله من الكلام الحسن المقبول أشياء عظيمة بليغة، ومن حسن التقسيم والترتيب ما هو به من أحسن المصنفين. لكن لكونه لم يصل إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الطرق الصحيحة كان ينقل ذلك بحسب ما بلغه، لاسيما مع هذا الأصل الفاسد [إذ] جعل النبوات فرعا على غيرها وقد قيل عنه: إن كثيرا مما يذكر في كتبه مما كان يسمعه من بعض القصاص والوعاظ، أو [ ص: 128 ] السؤال، والشحاذين، وبعض العباد والزهاد.

وقد قال الإمام أحمد: "أكذب الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم القصاص والسؤال". وكذلك أحاديث العباد الذين لا يضبطون مردوده، حتى قال يحيى بن سعيد: "ما رأينا [ ص: 129 ] الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث"، وقال أيوب السختياني: "إن لي جيرانا أرجو بركة دعائهم في السحر، ولو شهد أحدهم عندي على جزرة بصل لما قبلت شهادته".

وقال مالك بن أنس: أدركت بهذا المسجد كذا وكذا شيخا كان يقول حدثني أبي عن جدي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهم فضل وصلاح. فلم يكن يأخذ عن أحد منهم شيئا. وكان يقدم [ ص: 130 ] ابن شهاب وهو شاب فيردهم على بابه. ولهذا لم يذكر أهل الصحيح عن زهاد البصرة وعبادها، مثل مالك بن دينار، وحبيب العجمي، وفرقد [ ص: 131 ] السبخي، وثابت البناني، إلا لثابت وحده، والباقون أبعد الناس عن تعمد الكذب، لكن قد لا يحفظونه، فأحاديثهم تصلح لأن يستشهد بها ويعتبر، لا تصلح للاعتماد مع ما فيهم من الخير والدين والصلاح، وما لهم من الكرامات.

التالي السابق


الخدمات العلمية