الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما قوله وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج [الزمر: 6]، فإنه ينزل الماء من أصلاب الذكور إلى بطون الإناث، ثم ينزل الأجنة من بطون الإناث إلى الأرض، فأنزل منها ثمانية أزواج.

ومن المشهور في اللغة أنه يقال عن ابن آدم أنزل الماء، أو المني، ولم ينزل. كما في الحديث.

وذلك أنه سبحانه قال: خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها [الزمر: 6]، فحواء خلقت من نفس آدم، من ضلعه [ ص: 11 ] القصراء، لم تخلق من مني، ولا في رحم، كما قال: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها [النساء: 1]، وقال: هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها [الأعراف: 189]، فلم تكن زوج آدم منزلا منه، بل مخلوقا، مجعولا منه، وزوجها هي حواء.

وأما الأنعام فإنه يعلو بعضها بعضا وهي قائمة، أو قاعدة، وتلد وهي كذلك، قائمة، فينزل الله تعالى منها أولادها، وتسمية ذلك إنزالا ليس بدون تسمية إخراج المني إنزالا بل أبلغ.

وفي (الصحيحين) عن أسامة، أنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أين ننزل غدا؟ قال: "بخيف بني [ ص: 12 ] كنانة، حيث تقاسموا على الكفر".

واستعمال لفظ النزول في النزول من ظهر الدابة أكثر وأشهر وأظهر مما يذكر.

وعلى هذا فـ (من) في قوله: وأنزل لكم من الأنعام [ ص: 13 ] [الزمر: 6]، يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون لبيان الجنس، كما هو الظاهر لكثير من الناس، والمعنى: أنزل ثمانية أزواج، كما قال: وأنزلنا الحديد [الحديد: 25] وإنزالها كإنزال المني، و (من) هنا مثل (من) في قوله: وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات [الأنعام:141]، إلى قوله: ومن الأنعام حمولة وفرشا [الأنعام:142]، إلى قوله: ثمانية أزواج [الأنعام:143]، أي: أنشأ من الأنعام حمولة وفرشا ثمانية أزواج.

ويحتمل أن تكون (من) [لابتداء] الغاية، كقوله تعالى: أنزل من السماء ماء [الرعد: 17]، وخلق منها زوجها [النساء: 1].

والمعنى: أنه أنزل ثمانية أزواج، أنزلها من الأنعام، فيكون قد ذكر المحل الذي أنزلت منه.

وهذان الوجهان يجيئان في قوله تعالى في السورة الأخرى: جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [الشورى: 11].

فقوله: جعل لكم من أنفسكم أزواجا هل المراد جعل لكم [ ص: 14 ] من جنسكم أزواجا يذرؤكم في ذلك؟ أو المراد جعل أزواجكم من أنفسكم لكون حواء جعلت من نفس آدم؟ وكذلك من الأنعام أزواجا، وقد يقال: بيان الجنس أظهر؛ لأنه لم يخلق من آدم إلا زوجة فقط، كما قال: خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها [النساء: 1], وأما أزواج ولده، فلم تخلق من ذواتهم، فيكون المعنى جنسكم أزواجا، كما قال: لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا [النور: 12]، وقال: ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم [البقرة: 85]، وقال: ولا تلمزوا أنفسكم [الحجرات: 11].

وله نظائر في القرآن .

التالي السابق


الخدمات العلمية