الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وأيضا: لو أريد أنه خلق من صورة الطين بعينها لا من أبوين -ولا يجوز ذلك- لقيل كما قال الله تعالى: من تراب وقال: إني خالق بشرا من طين [ص: 71]، [وقال: إني خالق] بشرا من صلصال من حمإ مسنون [الحجر: 28].

وكذلك إذا تأوله متأول على الصورة المقدرة له، وهي ما سبق له في علم الله وكلامه، وكتابه، أي: خلقآدم على الصورة التي قدرها له، فإن الله وإن كان خلق كل شيء على ما سبق من تقديره فلا يصح تأويل الحديث على هذا، لأن جميع الأشياء خلقها الله تعالى على ما قدره، فلا اختصاص لآدم بذلك.

وأيضا: فإنه لا يصلح أن يقول: "لا تقبحوا الوجه ولا يقل أحدكم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على ما قدره"؛ فإن الوجه وسائر الأعضاء، بل وسائر المخلوقات خلقها على ذلك، فينبغي أن لا يصلح تقبيح شيء من الأشياء ألبتة، لعموم العلة.

وأيضا: فإن قوله: "ووجه من أشبه وجهك" يمنع أن [ ص: 471 ] يكون المراد التقدير.

وأيضا: فإن هذه العلة لا تصلح أن تكون مانعة من التقبيح.

وأيضا: فإن قوله: "إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته" يمنع أن يكون المراد به التقدير، فإن ذلك لا يختص بالوجه، ولا بآدم، ولا يصلح أن يعلل به منع ضرب الوجه، ولو علل به وجب أن لا يضرب شيء من الأشياء.

وأيضا: فقوله: "خلق آدم على صورته، طوله ستون ذراعا" إلى قوله: "فكل من يدخل الجنة يدخلها على صورة آدم" صريح في أنه أراد صورة آدم المخلوقة لا المقدرة.

وأيضا: فتسمية ما قدر صورة ليس له أصل في كلام الله وكلام رسوله، فليس في هذا الخطاب أن صور الأشياء ثابتة في علم الله أو تقديره، وإن كان من المتأخرين من يقول: لفلان عند فلان صورة عظيمة، وهذا الأمر مصور في نفسي، لكن مثل هذا الخطاب لا يجوز أن يحمل عليه كلام الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون ذلك من لغته التي خاطب بها أمته.

التالي السابق


الخدمات العلمية