الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوجه الثالث: أما قوله: "الحجر الأسود يمين الله في الأرض" فإنه ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم بل قد رووه عن ابن عباس، ولم يقل أحمد قط: إن هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يتأول. بل هذا الحديث سواء كان عن ابن عباس، أو كان مرفوعا فلفظه نص صريح لا يحتاج إلى تأويل، فإن لفظه: "الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن استلمه [ ص: 138 ] وقبله فكأنما صافح الله وقبل يده".

وتسمية هذا تأويلا أبعد من تسمية الحديث الذي فيه "جعت"، وذلك أنه يمين الله في الأرض، فقوله: "في الأرض" متصل بالكلام، مظهر لمعناه، فدل بطريق النص أنه ليس هو يمين الله الذي هو صفة له، حيث قال: "في الأرض". كما [لو] قال الأمير -مخاطبا للقوم في جاسوس له- هذا عيني عندكم. فإن هذا نص في أنه جاسوسه الذي هو بمنزلة عينه، ليس هو نفس عينه التي هي صفة.

فكيف يجوز أن يقال إن هذا متأول مصروف عن ظاهره؟! وهو نص في المعنى الصحيح، لا يحتمل [الباطل]، فضلا عن أن يكون ظاهره باطلا.

وأيضا فإنه قال: "من استلمه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يده" فجعل المستلم له كأنما صافح الله تعالى، ولم يقل فقد صافح الله، والمشبه ليس هو المشبه به، بل ذلك نص في المغايرة بينهما. فكيف يقال إنه مصروف عن ظاهره، وهو نص في المعنى الصحيح؟!

[ ص: 139 ] بل تأويل هذا الحديث لو كان مما يقبل التأويل أن يجعل الحجر عين يمين الله، وهو الكفر الصريح الذي فروا منه.

قال عثمان بن سعيد الدارمي في نقضه على [ ص: 140 ] المريسي ومتبعيه: "وروى المعارض –أيضا- عن ابن عباس: (الركن يمين الله في الأرض، يصافح به خلقه) وروي عن [الثلجي] يعني محمد بن شجاع [الثلجي] أنه قال: يمين [ ص: 141 ] الله نعمته، وبركته، وكرامته، لا يمين الأيدي. قال: فيقال لهذا [الثلجي] الذي يريد أن ينفي عن الله تعالى يديه اللتين خلق بهما آدم: ويلك أيها [الثلجي] إن تفسيره على خلاف ما ذهبت إليه. وقد علمنا يقينا أن الحجر الأسود ليس بيد الله نفسه، فإن يمين الله معه على العرش، غير باين منه، ولكن تأويله عند أهل العلم: أن الذي يصافح الحجر الأسود ويستلمه: كأنما يصافح الله، كقوله تعالى: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم [الفتح: 10].

فثبت له اليد التي هي اليد عند ذكر المبايعة، إذ سمى اليد مع اليد، واليد معه على العرش. وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الصدقة تقع في يد الرحمن قبل يد السائل" فثبت بهذا لله اليد التي [ ص: 142 ] هي اليد، وإن لم يضعها المتصدق في نفس يد الله. وكذلك تأويل الحجر الأسود، إنما هو إكرام للحجر الأسود، وتعظيم له وتثبيت ليد الرحمن، ويمينه، [لا النعمة] كما ادعى [الثلجي] الجاهل في تأويله، وكما يقدر أن يكون مع كل صاحب نجوى وفوق عرشه. كذلك يقدر أن تكون يده فوق (أيديهم من فوق) عرشه".

وقد ذكر القاضي أبو يعلى هذا الأثر عن أحمد، ولم [ ص: 143 ] يذكر عنه فيه كلاما. فرواه مرفوعا بإسناد ضعيف، قال: "حدثنا أبو القاسم -يعني عبد العزيز بن علي الأزجي- قال: حدثنا القاضي عمر بن سبنك حدثنا أحمد بن القاسم بن نصر ابن زياد حدثنا أبو [سالم] العلاء بن [مسلمة] [ ص: 144 ] الرواس، قال: حدثنا أبو حفص العبدي، عن أبان عن أنس قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحجر في الأرض يمين الله جل اسمه، فمن مسح يده على الحجر فقد بايع الله -عز وجل- أن لا يعصيه)". وهذا إسناد ضعيف.

التالي السابق


الخدمات العلمية