الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات اليد، والوجه، والسمع والبصر، مع ما جاء في الكتاب من ذكرها أحاديث كثيرة، بأسانيد صحيحة، والكتاب يطول باقتصاصها وهي مشهورة عند أهل العلم والعناية بهذا الشأن".

قال: "والأصل أن الخطاب في الكتاب والسنة، وبيان الشريعة، محمول على ما تعقله العرب وتستعمله في كلامها، [ ص: 235 ] فإن الله تعالى لم يخاطبنا بما لا نعقله، ولا نفهمه، إلا أنا لا ننكر التأويل في بعض ما تدعو إليه الحاجة من الكلام، والعدول عن ظاهر اللفظ وموضوعه، لقيام دليل يوجبه أو ضرورة تلجئ إليه. فأما أن يكون الظاهر المفهوم -وهو الحجة والبيان- بلا حجة ولا بيان فلا يجوز ذلك. وكفانا أن ننفي الكيفية عن صفات الله تعالى، فأما أن نبطل الصفات مع ورود التوقيف بها فلا يجوز ذلك في حق دين، ولا دلالة علم، وهذا الباب من نوع العلم الذي يلزمنا الإيمان بظاهره لوقوع الحجة به، وقيام الدليل عليه، من جهة التوقيف، ولا يجوز لنا البحث عن باطنه، والكشف عن علته، كما لا يجوز لنا ذلك في معرفة ذات الله -سبحانه وتعالى- بل يصح الإيمان والعلم به وبأنينه من غير علم بالمائية، التي [ ص: 236 ] هي سؤال عن التجنيس، إذ لا جنس له –سبحانه- ولا بالكيفية التي هي سؤال عن الهيئة والصورة فإنه –سبحانه- واحد ليس بذي هيئة، ولا صورة، ولا بالكمية، التي هي سؤال عن العدد، فإنه –سبحانه- واحد ليس بذي عدد، ولا كثرة، ولا بالكمية، التي هي سؤال عن برهان الشيء وعلته، وتعالى الله -عز وجل- فإن الماهية والكيفية والكمية عن الله منفية. ولهذا كان إعراض موسى -عليه السلام- في الجواب لما سأله فرعون حين قال له: وما رب العالمين (23) قال موسى -عليه السلام-: رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين (24) وذلك أنه لما أحال في سؤاله فسأله عن جنس ما لا جنس له ولا تحديد، استجهله موسى -عليه السلام- فأضرب عن سؤاله، فلم يجبه عنه ثم أخبره [عن] قدرته، وعظم ملكه وسلطانه، بما يرد به من جهله فيما سأل عنه وانتظر الجواب فيه، [ ص: 237 ] كما يقول الرجل العاقل للجاهل إذا سأل عن الباطل والمحال: ليس لك عندي جواب، إلا أن الذي أعرف وأجيب به كذا. وقد أمرنا بالإيمان بملائكة الله تعالى، وهم مخلوقون لله، تحيط بهم الحدود، وتصفهم الكيفية، ثم إنا لا نعلم خواصهم، ولا نقف على حقائق صفاتهم، ولم يكن ذلك قادحا في صحة العلم بكونهم، والإيمان بهم. وقد حجب عنا علم الروح، ومعرفة كيفية العقل، مع علمنا بأنه آلة التمييز، وبه تدرك المعارف. وهذه كلها مخلوقات لله -عز وجل- فما ظنك بصفات رب العزة سبحانه؟!: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [الشورى: 11].

فإن قيل أما هذه الأمور فإنما جاز أن يطوى عنا علمها لأنك لم تجد عليها دلالة من حس، ولا في كيفيتها بيانا من نص، ولا رأيت لها مثالا من نظير، وشكل. واليد، والسمع، والبصر، والوجه، معلومة بأسمائها ونظائرها، موجودة بخواص صفاتها. قيل هذا ظلم في المعارضة، وجور في حق المطالبة، وذلك أن اليد والسمع والبصر إنما كانت جوارح لذات هو جسم عريض عميق، فلما كان الذات الذي به قيام هذه الصفات معلوم الكيفية كانت صفاته كذلك، فأما إذا كانت هذه [ ص: 238 ] الأسماء صفة للذات المتحاشي عن هذه النعوت [المنزهة] عما جرى الأمر عن النزاهة والبعد عن التحديد والتكييف حصل العلم بظاهرها من طريق التوقيف حسب. [ولا حول] ولا قوة إلا بالله".

قيل: هذا الذي ذكره الخطابي ذكره بمبلغ علمه، حيث لم يبلغه في حديث [الرحم] عن أحد من العلماء أنه جعله من أحاديث الصفات التي تمر كما جاءت.

التالي السابق


الخدمات العلمية