[ ص: 244 ] فصل
الرازي: "السابع: قال: (صلى الله عليه وسلم): وهذا لا بد فيه من التأويل، "قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن". لأنا نعلم بالضرورة أنه ليس في صدورنا إصبعان بينهما قلوبنا". قال
قلت: هذا الحديث في (الصحيح). والكلام عليه من وجوه:
أحدها: أنه ليس ظاهر هذا الحديث أن أصابع الرب في صدور العباد. إنما أخبر أن قلوبهم بين أصبعين من أصابعه، يقلبها كيف يشاء. لم يقل: إن الأصابع في صدورهم. ولا قال: إن قلوبهم معلقة بالأصبع، أو متصلة بها. بل قال: إنها بين أصبعين. وكون أن الشيء بين شيئين، ليس ظاهره أنه مماس لهما، كما في قوله عن الجنة والنار: وبينهما حجاب [الأعراف: 46]، وكما في قوله تعالى: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين [الزخرف: 38].
[ ص: 245 ]
الوجه الثاني: أنه لو فرض أنه أخبر عن شيء من الغيب بأنه في قلوب العباد لم يكن ما ذكر من الضرورة مانعة من ذلك؛ لأن الضرورة تمنع أن تكون الأشياء التي نشاهدها: في قلوبنا [ونحن لا نشاهد كذلك. أما إذا أخبرنا بأن الملائكة تنزل على قلوبنا] أو الشياطين تنزل، أو أن على أفواهنا ملائكة تكتب كلاما، ونحو ذلك من الأمور الغائبة التي ليست من جنس المشاهدات لنا. فإذا أخبرنا بوجودها لم نعلم بالضرورة انتفاء ذلك.
فقول القائل: "نعلم بالضرورة أنه ليس في صدورنا أصبعان بينهما قلوبنا".
يقال له: المعلوم بالضرورة أن الأصابع التي شهدناها، مثل أصابع الآدميين، ليست في صدورنا، أما لو أخبرنا أن أصابع الملائكة أو الجن في صدورنا لم نعلم انتفاء ذلك. كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم [آل عمران: 36]". "ما من مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه، [ ص: 246 ] إلا مريم وابنها. ثم قرأ أبو هريرة
وكما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا استيقظ أحدكم فليستنشق بمنخريه من الماء، فإن الشيطان يبيت على خياشيمه".
وفي الصحيحين -أيضا- عنه أنه قال: :إن الشيطان يعقد على قافية رأس أحدكم إذا نام ثلاث عقد، يضرب [ ص: 247 ] مكان كل عقدة عليك ليل طويل فارقد".
مع أنا لا نشهد هذا المس لجسم المولود، ولا هذا المبيت على الخياشيم، ولا العقد، ولا نحو ذلك.
وظهر أن هذا الحديث لو كان ما ادعاه لم يكن ذلك معلوم الانتفاء بما ادعاه من الضرورة.
الوجه الثالث: إنا سنبين فساد ما ذكروه من التأويل في [ ص: 248 ] ذلك، وإبطال السلف له.