الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
ثم جعل قوله هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام [البقرة: 210]، هو من اعتقاد اليهود الفاسد لا من كلام الله الذي توعد به عباده، وجعل هذا هو الجواب المعتمد. أليس يعلم ببديهة العقل والدين كل من قرأ القرآن من المؤمنين أن هذا من أعظم الكذب والافتراء على رب العالمين، وأن رد هذا لا يحتاج إلى دليل وهو كذب على اليهود أيضا، فإن القوم لم ينقل أحد عنهم أنهم كانوا ينتظرون في زمن محمد صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ليخاطبهم، وقد ذكر أهل التفسير، والسير، والحديث، والمغازي، مخاطبات اليهود الذين كانوا بالحجاز للنبي صلى الله عليه وسلم مع كثرة من كان من اليهود بالحجاز، ومع كثرة ما نزل بسببهم من القرآن، ومع هذا فما نقل هذا أحد.

وكذلك ما نقله عنهم (من أنهم كانوا يقولون إنه تجلى لموسى على الطور في ظلل من الغمام أمر لم يذكره الله تعالى عنهم) على هذا الوجه، فإن كان هذا حقا عنهم وكانوا [ ص: 313 ] ينتظرون مثل ذلك فيكونون قد جوزوا أن [يكون] الله تجلى لرسول آخر في الغمام، كما تجلى لموسى، ومعلوم أن اليهود لا تقول ذلك، وما ذكر الله تعالى عنهم في طلبهم رؤية الله جهرة فهذا حق، لكن أخبر أنهم طلبوا الرؤية، لم يخبر أنهم انتظروها، والمتطلب للشيء معتقد لأنه يكون، لا طالب من غيره أن يكونه وهذا كما قال تعالى: أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل [البقرة: 108].

وأما قوله: "إن اليهود كانوا على دين التشبيه، وكانوا يجوزون المجيء والذهاب على الله" فيقال: إنه لا ريب أن التوراة مشتملة على صفات الله تعالى التي يسميها الجهمية تشبيها، وهي إلى الآن كذلك مثل ما ذكره. فلا يخلو: إما أن يكون ذلك من التوراة المنزلة، أو مما بدلوه.

فإن كان الأول: كان ما سماه تشبيها هو الحق المنزل من عند الله تعالى.

وإن كان الثاني: كان إنكاره ذلك عليهم وذمهم عليه أولى [ ص: 314 ] بالإنكار والذم على أمور دون ذلك، كأخذ الربا، وأكلهم أموال الناس بالباطل. ومعلوم أن الكتاب والسنة لم تنكر على اليهود قط ما عندهم من هذه الصفات، ولا ما يقولونه من ذلك وإنما ذمهم على وصفهم الله بالعجز والكلال والفقر والبخل. كما ذكر في قوله تعالى: لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق [آل عمران: 181]، وفي قوله تعالى: وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان [المائدة: 64]، وفي قوله تعالى: ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب [ق: 38].

التالي السابق


الخدمات العلمية