الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وأيضا فإن قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا [البقرة: 208] إذا كان خطابا لليهود وهم المنتظرون للأمر الممتنع، فوجه الكلام أن يخاطبوا بما يوبخهم ويقرعهم، فيقال: ما تنظرون بصيغة المخاطبة لا بصيغة الغيبة، كما في نظائر ذلك من القرآن، حيث يقول إذا خاطبهم، فعلتم وفعلتم، [ ص: 319 ] فأما الانتقال في مثل هذا من المخاطبة إلى الغيبة ففيه تعظيم للمخاطب. كما في قوله: ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون [الحجرات: 7]، وفي قوله: حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها [يونس: 22]. فإن قوله: (كنتم) يتناول المؤمن والكافر، فعدل إلى صيغة الغيبة التي تتناول من فعل ذلك الفعل المذموم خاصة.

وأيضا فالفرق ظاهر بين معلوم بالاضطرار من اللغة بين الاستفهام الذي يقصد به نفي وجود ما يظنه الإنسان وينتظره ويرجوه ويخبر به، وبين ما لا يقصد به ذلك، بل يقصد به تهديده وتخويفه من الأمور الكائنة الموجودة وتحذيره منها.

فالأول كقوله: أيحسب الإنسان أن يترك سدى [القيامة: 36]، أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات [المؤمنون: 55-56]، أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون [الطور: 30-33]، وقوله أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم [المعارج: 38] فنظيره أن يقال: أينتظرون أن يأتيهم الله، أو: أيطمعون أن يأتيهم الله في ظل من الغمام، ونحو ذلك.

[ ص: 320 ] وأما الثاني فكقوله: وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق [ص: 15]، وقوله: قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا [التوبة: 52]، فمن المعلوم أن هذا الاستفهام يتضمن معنى النفي كالأول، وأن ذلك تهديد لهم وتخويف مما ينتظرونه ويتربصونه.

فقوله: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة [البقرة: 210] صيغة مثل هذه الصيغ. فإن هل متضمنة معنى النفي بلا نزاع، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "هل ينظر أحدكم إلا غنى مطغيا أو فقرا منسيا أو الدجال، فالدجال شر غائب ينتظر، أو الساعة، فالساعة أدهى وأمر".

[ ص: 321 ] وأيضا فقوله: وقضي الأمر [البقرة: 210] إخبار بأن الله تعالى يقضي الأمر، كما في قوله تعالى: وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين [هود: 44] وفي قوله: وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون [الزمر: 69].

التالي السابق


الخدمات العلمية