[ ص: 406 ] وكذلك في الشيخ -أبي أحمد محمد بن علي الفقيه الكرجي الإمام المعروف بالقصاب -للآيات والأخبار الواردة في إحساس الميت بالعذاب، وإطنابه في كتابه المعروف بـ (نكت القرآن) وذهابه إلى أن الميت بعد السؤال لا يحس طول لبثه في البرزخ، ولا بالعذاب. فنقول: هذا تأويل تفرد به، ولم يتابعه الأئمة عليه، والقول ما ذهب إليه الجمهور، وتفرده بالمسائل لا يؤثر ولا يقدح في درجاتهم. تأويل
وعذر كل من تفرد بمسألة من أئمتنا من عصر الصحابة والتابعين إلى زماننا هذا أن يقال: لكل عالم هفوة، ولكل صارم نبوة، ولكل جواد كبوة.
وكذلك عذر كل إمام ينفرد بمسألة على ممر الأعصار والدهور، غير أن المشهور ما ذهب إليه الجمهور.
[ ص: 407 ] وأما قول سفيان في قوله تعالى: وهو معكم أين ما كنتم [الحديد: 4] وقوله: إلا هو رابعهم [المجادلة: 7] أنه علمه، وكذلك قوله: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد [ق: 16] أنه علمه: فاعلم أن هذا في الحقيقة ليس بتأويل، بل هو المفهوم من خطاب الأعلى مع الأدنى، فإن في وضع اللغة إذا صدر مثل هذه اللفظة من السادة مع العبيد لا يفهم إلا التقريب، والهداية، والإعانة، والرعاية، كما قال تعالى لموسى وهارون: اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى [طه: 43-44] فقال موسى لهارون: ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى [طه: 45] فقال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى [طه: 46]. ومعلوم أن هذا الخطاب لا يفهم منه إلا الإعانة، والرعاية، والهداية، كما قال صلى الله عليه وسلم لسعد: "ارم وأنا معك".
[ ص: 408 ] نعم إذا صدر الخطاب من الأدنى مع الأعلى، نحو العبد إذا قال لسيده: إني معك يفهم الصحبة والخدمة، ولا يفهم الإعانة والرعاية.
قال: ثم إن قلنا إن قول سفيان في الآية تأويل، فهو تأويل يروى عن وتأويل الصحابة مقبول، لما ذكرناه، وإن كان تأويل ابن عباس، سفيان إلا أنه تابعه عليه الأئمة، على ما رويناه عن مالك وكذلك عن وسفيان بن عيينة، الشافعي، وغيرهم، فإن قولهم: وأحمد، موافقة منهم لما قاله إن الله على عرشه، بائن من [ ص: 409 ] خلقه، وعلمه محيط بكل مكان: سفيان. وقد ذكرنا أن التأويل إذا تابع عليه الأئمة فهو مقبول.
فإن قيل: فهلا جوزتم التأويل على الإطلاق، اعتبارا بتأويل السلف؟ قلنا: معاذ الله أن يجوز ذلك، إذ ليس الأصول تتلقى من الرأي، حتى يقاس عليه، ويقال لما جاز للسلف التأويل جاز للخلف، فإنا قد بينا أن تأويل السلف إن صدر من الصحابة فهو مقبول؛ لأنهم سمعوه من الرسول، وإن صدر من غيرهم وتابعهم عليه الأئمة قبلناه، وإن تفرد نبذناه، وأعرضنا عنه، إعراضنا عن تأويل الخلف".
قلت: فقد ذكر الحافظ أبو موسى المديني، فيما جمعه من (مناقب الإمام الملقب بقوام السنة، أبي القاسم، إسماعيل [ ص: 410 ] ابن محمد التيمي) صاحب كتاب (الترغيب والترهيب) قال: سمعته يقول: أخطأ محمد بن خزيمة في حديث [ ص: 411 ] الصورة، ولا يطعن عليه بذلك، بل لا [يؤخذ] عنه هذا فحسب.
قال أبو موسى: أشار بذلك أنه قل من إمام إلا وله زلة، فإذا ترك ذلك الإمام لأجل زلته ترك كثير من الأئمة، وهذا لا ينبغي أن يفعل.
قال: وقد كان من شدة تمسكه بالسنة، وتعظيمه للحديث، وتحرزه من العدول عنه، ما تكلم فيه من حديث الذي رواه بإسناده في النزول [ ص: 412 ] بالذات، وكان من اعتقاد نعيم بن حماد، الإمام إسماعيل: أن وهو مشهور من مذهبه، قد كتبه في فتاوى عدة، وأملى فيه أمالي جمة، إلا أنه كان يقول: هذا الإسناد الذي رواه نزول الله بالذات نعيم إسناد مدخول، وفيه مقال، وعلى بعض رواته مطعن لا تقوم به الحجة، ولا يجوز نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -وإن كنا نعتقد ذلك- إلا بعد أن يرد بإسناد صحيح.