ثم قابلهم قوم من أهل الإثبات، والرافضة، وغلاة أهل الحديث، فزادوا في الإثبات، حتى دخلوا في التمثيل المنفي في الكتاب والسنة، وذلك تشبيه مذموم، فذم بقايا تابعي التابعين ومن بعدهم من أئمة السنة هذا التشبيه، بهذا التفسير، فصار لفظ المشبهة مذموما في كلام هؤلاء، كما هو مذموم في كلام وذموا المشبهة الجهمية، لكن بين المعنيين فرق عظيم، ولهذا كانوا يفسرون مرادهم، ويقولون: من أغرق في نفي التشبيه وذم المشبهة كان جهميا، كما ذكره عبد الرحمن بن أبي حاتم عن وأبو القاسم اللالكائي عبد الرحمن بن عمر [ ص: 499 ] الأصبهاني قال: سمعت يقول -لفتى من ولد عبد الرحمن بن مهدي جعفر بن سليمان- مكانك، فقعد حتى تفرق الناس، ثم قال: يا بني تعرف في هذه الكورة من الأهواء والاختلاف، وكل ذلك يجري مني على بال، وحتى [ ص: 500 ] لا أمرك، وما بلغني فإن الأمر لا يزال [هينا] ما لم يصر إليكم، يعني السلطان، فإذا صار إليكم جل وعظم، قال: يا أبا سعيد! وما ذاك؟ قال: بلغني أنك تتكلم في الرب تعالى وتصف وتشبه، فقال الغلام: نعم فأخذ ليتكلم في الصفة فقال: رويدك يا بني حتى نتكلم أول شيء في المخلوق، فإن عجزنا عن المخلوق، فنحن عن الخالق أعجز وأعجز. أخبرني عن حديث حدثنيه عن شعبة، البناني، قال: سمعت زرا قال: قال عبد الله في [قوله]: لقد رأى من آيات ربه الكبرى (18) قال: رأى جبريل له ستمائة جناح. قال: نعم، فعرف الحديث، فقال عبد الرحمن: صف لي خلقا من خلق الله له ستمائة جناح فبقي الغلام ينظر إليه، فقال عبد الرحمن: [ ص: 501 ] يا بني! فإني أهون عليك المسألة، وأضع عنك خمسمائة وسبعا وتسعين، صف لي خلق ثلاثة أجنحة، ركب الجناح الثالث منه موضعا غير الموضعين [اللذين] ركبهما حتى أعلم؟ فقال يا أبا سعيد! نحن قد عجزنا عن صفة المخلوق، ونحن عن صفة الخالق أعجز وأعجز فأشهدك أني قد رجعت عن ذلك وأستغفر الله.
وذكر –أيضا- عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث، قال: حدثنا سويد بن سعيد، [ ص: 502 ] قال: حدثنا قال: علي بن عاصم، تكلم داود [الجواربي] [فضل] في التشبيه، فاجتمع فقهاء واسط، منهم محمد بن يزيد، وخالد الطحان، [ ص: 503 ] وهشيم، وغيرهم، فأتوا الأمير وأخبروه بمقالته، فأجمعوا على سفك دمه، فمات في أيامه، فلم يصل عليه علماء [واسط].
وذكر عبد الرحمن، قال: حدثنا أحمد بن سنان، قال: [ ص: 504 ] سمعت شاذ بن يحيى الواسطي، يقول: كنت قاعدا عند فجاء رجل فقال: يا يزيد بن هارون، أبا خالد! ما تقول في الجهمية؟ قال: يستتابون. لأن الجهمية غلت [فتفرعت] في غلوها إلى أن نفت، والمشبهة غلت فتفرعت في غلوها حتى مثلت، فالجهمية يستتابون، والمشبهة كذا [رماهم] بأمر عظيم.
وروى في (كتاب السنة) حدثني أبو بكر الخلال أبو بكر ابن صدقة، قال: سمعت أبا بكر بن أبي [ ص: 505 ] عون يقول: سمعت يقول: يزيد بن هارون [الجواربي] كافران، وسمعت والمريسي وقد ذكر يزيد بن هارون [الجواربي] فضربه مثلا فقال: أما داود [الجواربي] عبر جسر واسط يريد العيد، فانقطع الجسر فغرق من كان عليه، فخرج شيطان فقال: أنا داود [الجواربي].
وذكر عبد الرحمن حدثنا يوسف بن إسحاق حدثنا أحمد بن الوليد، عن محمد بن عمرو بن بكيت، قال: سمعت [ ص: 506 ] يقول: وصف وكيعا داود [الجواربي] الرب فكفر في صفته، فرد عليه فكفر في رده عليه، إذ قال: هو في كل شيء. وقال المريسي عبد الرحمن: حدثنا عبد الله بن محمد بن الفضل الصدائي، قال: قال من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ورسوله [تشبيه]. قال نعيم بن حماد: عبد الرحمن: حدثنا أحمد بن سلمة [قال]: سمعت يقول: إسحاق بن إبراهيم بن [ ص: 507 ] راهويه فهو كافر بالله العظيم؛ لأنه وصف لصفاته إنما هو استسلام لأمر الله ولما سن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: وسمعت من وصف [الله] فشبه صفاته بصفات أحد من خلقه إسحاق يقول: علامة وأصحابه دعواهم على أهل الجماعة ما أولعوا به من الكذب أنهم مشبهة، بل هم [المعطلة]، ولو جاز أن يقال هم المشبهة لاحتمل ذلك، وذلك أنهم يقولون: إن الرب تبارك وتعالى في كل مكان بكماله، في أسفل الأرضين، وأعلى السموات على معنى واحد، وكذبوا في ذلك ولزمهم الكفر. جهم
قال عبد الرحمن: "سمعت أبي يقول: [الجهمية] تسميتهم أهل السنة (مشبهة، علامة القدرية [ ص: 508 ] تسميتهم أهل السنة [مجبرة] وعلامة وعلامة المعتزلة تسميتهم أهل السنة) حشوية وعلامة الرافضة تسميتهم أهل السنة [ ص: 509 ] ناصبة".