الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 233 ] وضمن بالعقد ، إلا المحبوسة للثمن وللإشهاد فكالرهن ، وإلا الغائب فبالقبض ، .

[ ص: 234 ] وإلا المواضعة فبخروجها من الحيضة ، .

[ ص: 235 ] وإلا الثمار للجائحة ، وبرئ المشتري للتنازع . .

التالي السابق


( وضمن ) بضم فكسر أي ضمن المشتري ما اشتراه شراء صحيحا بلا خيار ولا توفية فيه ولا عهدة ثلاث ( بالعقد ) الصحيح اللازم من الجانبين ، فلا يضمن المشتري من فضولي أو رقيق أو سفيه أو صغير بلا إذن وليهم أو بخيار إلا بعد إجازة المالك والسيد والولي وبت البيع ، واستثنى من الضمان بالعقد فقال ( إلا ) السلعة ( المحبوسة ) أي المؤخرة عند بائعها ( ل ) قبض ( الثمن ) الحال من مشتريها ( أو للإشهاد ) من بائعها على تسليمها لمبتاعها أو على أن ثمنها حال في ذمته لم يقبضه أو مؤجل ( ف ) يضمنها بائعها ضمانا ( ك ) ضمان ( الرهن ) في التفصيل بين ما يغاب عليه وما لا يغاب عليه ، وبين ما هلك ببينة وما هلك بدونها طفي الاستثناء في كلام المصنف صحيح بالنسبة لما عدا المحبوسة للثمن أو للإشهاد ، أما لهما ففيه نظر لأن كونه كالرهن لا يخرجه عن ضمان المشتري وتبع في استثناء المحبوسة لذلك ابن الحاجب لكن ابن الحاجب لم يقل كالرهن ، ومراده الضمان فيهما من البائع أصالة وهو أحد قولي مالك " رضي الله عنه " في المدونة وعليه قرره في توضيحه ، فجاء الاستثناء في كلامه حسنا .

ثم قال : فلو درج المصنف على أحد قوليها أن ضمانهما من البائع أصالة لجاء الاستثناء في كلامه حسنا ووافق ما يأتي له في السلم ، فإنه جرى فيه على هذا وكأنه غره قول ابن عبد السلام المشهور أن المحبوسة للثمن تضمن ضمان الرهان . ا هـ . مع أنه حاد عنه في باب السلم ، ولعل ابن عبد السلام أخذ ذلك من قول ابن رشد المشهور من قول ابن القاسم أنها كالرهن . ا هـ . وفيه نظر إذ لا يلزم من كونه مشهورا من قوله كونه مشهورا ( وإلا ) المبيع ( الغائب ) على صفة أو رؤية سابقة لا يتغير بعدها ( فبالقبض ) [ ص: 234 ] يضمنه مشتريه إلا العقار المبيع على صفة أو رؤية سابقة جزافا فيضمنه بالعقد الصحيح اللازم من الجانبين إن اتفقا على سلامته حين العقد ، فإن بيع مذارعة أو تنازعا في سلامته حينه فبقبضه كغيره إلا لشرط ضمانه مبتاعه أفاده عب ( وإلا ) الأمة ( المواضعة فبخروجها ) أي الأمة ( من الحيضة ) تدخل في ضمان مشتريها الحط تبع في هذا ابن عبد السلام فإنه قال في شرح قول ابن الحاجب : وقيل : لا ينتقل إلا بالقبض كالغائب والمواضعة ما نصه ذكر المواضعة هنا ليس بالبين لأن ضمان بائعها ينتهي إلى خروج الأمة من الحيضة لا إلى قبضها مشتريها ا هـ زاد في التوضيح والذي نقله الباجي أن ضمانها إلى رؤية الدم ، قال : لأن ابن القاسم في المدونة أجاز للمشتري الاستمتاع برؤية الدم ا هـ .

ثم قال : وظاهر كلام التوضيح والشارح أن الباجي إنما أخذ ذلك من كلام ابن القاسم ، وأن المشهور خلافه وليس كذلك ، وقد صرح في المدونة بأنها تخرج من ضمان البائع برؤية الدم ، ونصها وأكره ترك المواضعة وائتمان المبتاع على الاستبراء فإن فعلا أجزأ إن قبضها على الأمانة وهي من البائع حتى تدخل في أول دمها . ا هـ . ونقله الباجي على أنه المذهب ، ونصه إذا ثبت أن الاستبراء والمواضعة يرتفع بظهور الحيض ، فإنه بأول الدم قد خرجت من ضمان البائع وسقطت سائر أحكام المواضعة ، وتقرر ملك المشتري عليها ، وهل يحل له الاستمتاع بها أو لا : قال ابن القاسم ذلك بأول ما تدخل في الدم ، ويجيء على قول أشهب أنه يستحب له أن يؤخر حتى يعلم أن ما رأته من الدم حيض ا هـ وقال ابن يونس : بعض القرويين بأول دخولها في الدم صارت إلى ضمان المشتري عن ابن القاسم وحل له تقبيلها وتلذذه بها ، وخالفه ابن وهب ، وقال : حتى تستمر الحيضة لإمكان انقطاع الدم فلا تدخل في ضمان المشتري إلا بعد استحقاق الدم واستمراره . ا هـ . فلم يحك قولا باستمرار الضمان إلى خروجها من الحيضة والله أعلم .

نفقة المواضعة على البائع قاله في الرسالة ومفهوم المواضعة أن ضمان المستبرأة من المشتري وهو كذلك وصرح به الجزولي [ ص: 235 ] وإلا الثمار ) المبيعة بعد بدو صلاحها على رءوس شجرها فيضمنها بائعها ( ل ) وقت أمن ا ( لجائحة ) بتناهي طيبها ومفهوم الجائحة أن ضمانها من غير الجائحة كغصب معين من المبتاع وهو كذلك كما في " ق " ، فالأوضح وإلا الثمار فتضمن جائحتها لا منها ( و ) إن بيع عرض أو مثلي غير عين بعين وقال البائع : لا أدفع الثمن حتى أقبض الثمن ، وقال المشتري : لا أدفع الثمن حتى أقبض الثمن ( بدئ ) بضم الموحدة وكسر الدال المهملة مشددة ( المشتري ) بالجبر على دفع الثمن النقد ( للتنازع ) أي عند تنازعه مع البائع لعرض أو مثلي غير عين في الدفع أولا لأنه في يده كالرهن في الثمن الحط هذا في غير الصرف ، وأما فيه فلا يجبر واحد منهما سند المعقود عليه ثمن ومثمن ، فالثمن الدنانير والدراهم وما عداهما مثمن ، فإن وقع العقد في شيء من المثمنات بشيء من الأثمان فقال ابن القاسم : يلزم المبتاع تسليم الثمن أولا وقال قبله : إن وقع العقد على دنانير بدراهم أو دراهم بدراهم وقال كل منهما : لا أدفع حتى أقبض فلا يتعين على واحد منهما التسليم قبل الآخر وقيل : لهما إن تراخى قبضكما فسخ الصرف ، وإن كان بحضرة حاكم ففي الدنانير بمثلها والدراهم بمثلها يوكل القاضي من يحفظ علاقة الميزان ويأمر كل واحد أن يأخذ عين صاحبه ، وفي الدراهم بالدنانير يوكل عدلا يقبض منهما ويسلم لهما فيقبض من هذا في وقت قبضه من هذا ، فإن وقع العقد على شيء من المثمنات بشيء من المثمنات كعرض بعرض وتشاحا في الإقباض فعلى ما تقدم في الذهب والورق إلا أن العقد لا ينفسخ بتراخي القبض عنه ولا بافتراقهما من مجلسه ا هـ .

( فرع ) في المسائل الملقوطة في المفيد سئل عن رجل ابتاع من آخر دابة أو عرضا وزعم أنه معيب وامتنع من دفع ثمنه حتى يحكم له في العيب ، وقال البائع : لا أحاكمك فيه حتى أقتضي ثمنه ، فقال ابن مزين : إن كان من العيوب التي يقضى فيها من ساعته فلا [ ص: 236 ] ينقده حتى يحكم بينهما ، وإن كان يتطاول أمره فإنه يقضى عليه بدفع ثمنه ثم يبتدئا الخصومة بعد عبد الحق وبهذا قال القرويون ابن مغيث : وبه مضت الفتيا من شيوخ قرطبة وغيرها من الأندلس ، ورأيت أبا المطرف يفتي به غير مرة وحكاه عن خلف بن عبد الغفور عن أهل المذهب في كتابه المسمى بالاستغناء ( فرع ) في النوادر إن اختلف النقاد في الدنانير والدراهم فقال بعضهم جياد وبعضهم رديئة فلا يعطى إلا ما اجتمعوا على جودته وما لا يشك فيه ، والمختلف فيه صار معيبا باختلافهم فيه فليس له أن يعطيه معيبا ا هـ أفاده الحط .




الخدمات العلمية