الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وحرم رد اللبن ، .

[ ص: 162 ] لا إن علمها مصراة ، أو لم تصر ، وظن كثرة اللبن ، إلا إن قصد واشتريت في وقت حلابها ، وكتمه .

التالي السابق


( وحرم ) بفتح فضم ( رد اللبن ) الذي حلب من المصراة للبائع لأنه بيع لطعام المعاوضة قبل قبضه لوجوب رد الصاع عوض اللبن ، وهذا يفيد حرمة رد غير اللبن من [ ص: 162 ] نقد أو عرض بالأولى ، واقتصر على اللبن لدفع توهم جواز رده إذ الأصل أن يرد على البائع عين شيئه وأنه إن رد المصراة بالتصرية قبل حلبها فلا شيء عليه ، وأنه يجوز رد اللبن مع الصاع ، وأنه يحرم رد غير الغالب مع وجوده . ( لا ) ترد المصراة بالتصرية ( إن علمها ) المشتري ( مصراة ) اللخمي إن اشتراها وهو عالم أنها مصراة فليس له ردها إلا أن يجدها قليلة الدر دون المعتاد من مثلها ، وإن علم أنها مصراة قبل أن يحلبها فله ردها قبل حلابها وإمساكها ليختبرها بحلابها ، وهل نقص تصريتها يسير أم لا ، وكذا إن علم بعد حلابها ما صريت به له ردها وإمساكها حتى يحلبها ويعلم عادتها .

ابن عرفة يجب أن لا يردها بعد إمساكها ما ذكر إلا بعد حلفه أنه ما أمسكها إلا لذلك إلا أن يشهد بذلك قبل إمساكها ( أو ) أي ولا ترد إن ( لم تصر ) بضم الفوقية وفتح الصاد المهملة ( و ) قد ( ظن ) المشتري حال شرائها ( كثرة اللبن ) لكبر ضرعها مثلا فتخلف ظنه فليس له ردها في كل حال ( إلا إن قصد ) بضم فكسر من اتخاذها اللبن لا لحمها ولا عملها ( و ) قد ( اشتريت ) بضم الفوقية وكسر الراء ( وقت كثرة حلابها ) كفصل الربيع أو عقب ولادتها ( و ) قد ( كتمه ) أي البائع عدم كثرة لبنها ، فللمشتري ردها بلا صاع إذ ليست مصراة . طفي ظاهره أن الشروط في فرض المسألة وهو ظن كثرة اللبن وعليه شرحه من وقفت عليه من شراحه ، وقيده س وعج بحلبها حلب مثلها ، وإلا فله ردها وإن لم تتوفر الشروط ، وليس كذلك لا في الفرض ولا في القيد ، لأن مسألة الشروط ليست مقيدة بظن كثرة اللبن ، وإنما هي مسألة مستقلة في كلام أهل المذهب وليست مقيدة بكونها تحلب حلب مثلها ، ففيها ومن باع شاة حلوبا غير مصراة في إبان الحلاب ولم يذكر ما تحلب ، فإن كانت الرغبة فيها إنما هي في اللبن والبائع يعلم ما تحلب وكتمه فللمبتاع أن يرضاها أو يردها ، كصبرة يعلم البائع كيلها دون المبتاع ، وإن لم يكن علم ذلك فلا رد [ ص: 163 ] للمبتاع ، وكذلك ما تنوفس في لبنه من بقر وإبل ولو باعها في غير إبان لبنها ثم حلبها المبتاع حين الإبان فلم يرضها فلا رد له كان البائع يعرف حلابها أم لا ا هـ .

وقال في الجواهر : لو ظن غزارة اللبن لكبر الضرع فكان لحما فلا يثبت له به خيار ، وكذا لو اشترى شاة غير مصراة فوجد حلابها قليلا فلا رد له إلا أن يعلم البائع مقدار حلابها فباعها له في إبان الحلاب ولم يعلمه ما علمه منها فله الخيار لأنه صار كبائع طعام يعلم كيله جزافا دون المشتري فله رده ، ولو كان في غير إبان لبنها فلا رد له لو علم البائع منها ما لم يعلم . وقال أشهب : بل يردها ولو اشتراها في غير الإبان إن علم البائع حلابها . وقال محمد : إن زيد في ثمنها لمكان اللبن فله ردها لأن على البائع أن يعلمه إذا كان المقصود منها اللبن ، واقتصر ابن عرفة على كلامها والجواهر ، واختصر ابن الحاجب كلام الجواهر فأوهم كلامه أن الشروط مع قيد الظن فتبعه المصنف في توضيحه ومختصره ومن قلده من شراحه ، فقد ظهر لكأن مسألة الشروط مستقلة وأن كلامه فيها مطلق غير مقيد بكونها تحلب حلاب مثلها ولم أر من قيدها بذلك غير من تقدم وظاهر كلامهم أو صريحه خلافه فيدل على ذلك قول المصنف في توضيحه تبعا لابن عبد السلام . وقال أشهب : له ردها في الوجهين لأنه عيب والعلم وعدمه إنما يظهران في حكم التدليس ا هـ .

فأين العيب إذا كانت تحلب حلب أمثالها ا هـ ، ونقله البناني وأقره . أقول فيه نظر ، فإن قول المدونة حلوبا صريح في أن الشروط في ظن كثرة اللبن ، وكذا قولها فإن كانت الرغبة فيها إنما هي في اللبن ، وكذا قول الجواهر لو ظن غزارة اللبن إلخ ، إذ الظاهر رجوع قوله إلا أن يعلم البائع إلخ له وللمشبه به ، وتقييد " س " وعج بحلبها حلب مثلها ظاهر لا ينبغي التوقف فيه لأن نقصها عن حلب أمثالها عيب العادة السلامة منه فيرد به بدون اعتبار الشروط الثلاثة كما قالا والله أعلم . .




الخدمات العلمية