الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إن بين الجميع ; [ ص: 267 ] أو فسر المئونة فقال : بمائة أصلها كذا وحملها كذا ، أو على المرابحة وبين كربح العشرة ، أو أحد عشر ولم يفصلا ماله الربح ، وزيد عشر الأصل ، [ ص: 268 ] والوضيعة كذلك لا أبهم : كقامت علي بكذا ، [ ص: 269 ] أو قامت بشدها وطيها بكذا ولم يفصل ، وهل هو كذب أو غش ؟ [ ص: 270 ] تأويلان

التالي السابق


وأفاد شرط جواز بيع المرابحة بقوله ( إن بين ) بفتحات مثقلا أي فصل البائع ابتداء ( الجميع ) أي جميع ما صرفه في المبيع بأن بين ما يحسب ويربح له وما يحسب ولا يربح له وما لا يحسب ، واشترط الربح على الجميع " غ " الشرط راجع لقوله وجاز مرابحة وكأنه حوم على اختصار الخمسة التي ذكرها عياض في التنبيهات إذ قال : لا [ ص: 267 ] يخلو بيع المرابحة من وجه من خمسة ، أحدها أن يبين جميع ما صرفه ما يحسب وما لا يحسب مفصلا ومجملا ، ويشترط ضرب الربح على الجميع فهذا وجه صحيح لازم للمشتري فيما يحسب وما لا يحسب ، ويضرب الربح على جميعه بشرطه ( أو ) أجمل ما صرفه ابتداء ثم ( فسر ) البائع ( المئونة فقال : هي ) أي السلعة قامت علي ( بمائة ) من الدراهم مثلا ( أصلها ) أي ثمنها ( كذا ) أي ثمانون مثلا ( وحملها ) من محل كذا إلى محل كذا ( كذا ) أي خمسة مثلا وصبغها خمسة وطرزها خمسة ، وطيها وشدها خمسة ، وشرط الربح فيما يربح له خاصة عياض الثاني أن يفسر ذلك أيضا ويفسر ما يحسب ويربح عليه وما لا يحسب جملة ثم يضرب الربح على ما يجب ضربه عليه خاصة .

فهذا صحيح جائز أيضا على ما عقداه ( أو قال ) : أبيع ( على المرابحة وبين ) بفتحات مثقلا البائع ما يربح له وهو ثمنها وأجرة ما له عين قائمة وما لا يربح له ، وهو ما زاد القيمة ، وليس له عين قائمة وما لا يحسب ، ومثل للمرابحة فقال : ( كربح العشرة أحد عشر ولم يفصلا ) أي المتبايعان حين البيع ( ما له ربح ) وما لا ربح له عياض الوجه الثالث أن يفسر المؤنة فيقول : هي علي بمائة رأس مالها كذا ، ولزمها في الحمل كذا ، وفي الصبغ والقصارة كذا ، وفي الشد والطي كذا وباعها على المرابحة العشرة أحد عشر أو للجملة أحد عشر ولم يفصلا ولا شرطا ما يوضع الربح عليه مما لا يوضع ، ولا ما يحسب مما لا يحسب في الثمن والمذهب جواز هذا ، وفض الربح على ما يجب له ، وإسقاط ما لا يحسب في الثمن ولما كان قوله العشرة أحد عشر يحتمل غير المراد بين المراد وضابطه فقال : ( وزيد ) بكسر الزاي نائب فاعله ( عشر الأصل ) أي الثمن الذي اشتريت السلعة به ، وما له عين قائمة أي إذا قال بربح العشرة أحد عشر فمعناه أنه يزاد على ماله ربح عشرة ، فإذا كان [ ص: 268 ] الأصل مائة زيد عليه عشرة ، وإن كان مائة وعشرين زيد عليه اثنا عشر ، وليس معناه أن يزاد على العشرة أحد عشر .

فإذا كان الأصل عشرة يصير أحدا وعشرين وشبه في زيادة عشر الأصل في الجملة لأنه في المشبه به يؤخذ وفي المشبه يسقط فقال : ( والوضيعة ) أي الحطيطة من الأصل إن شرطت فهي ( كذلك ) أي ربح العشرة أحد عشر مثلا في أنه يزاد على الأصل عشرة ، ولكن يسقط واحد من المجموع ، فإذا قال : بوضيعة العشرة أحد عشر فمعناه أنه يزاد على العشرة عشرها واحد فتصير أحد عشر ، ويسقط منها واحد فهو جزء من أحد عشر جزءا وهو أقل من العشر الذي هو واحد من عشرة ، وإن قال : بوضيعة العشرة عشرون وضع نصف الأصل وثلاثون وضع ثلثاه وأربعون ثلاثة أرباعه ، وضابطها إن زادت على الأصل أن يجزأ الأصل أجزاء بعدد الوضيعة ، وينسب ما زاده عدد الوضيعة على الأصل إلى عدد الوضيعة ، وبمثل تلك النسبة يحط عن المشتري من تلك الأجزاء ، وإن ساوته أو نقصت عنه فضابطها أن تضمها له وتنسب عدد الوضيعة لمجموعهما ، وبمثل تلك النسبة يحط من الأصل فإن قال : بوضيعة العشرة عشرة فزد على الأصل مثله وانسب الوضيعة لمجموعهما يكن نصفا فأسقط نصف الأصل ، وإن قال : بوضيعة العشرة خمسة فزد على عشرة وانسب خمسة للمجموع تكن ثلثا ، فأسقط ثلث الأصل ابن عبد السلام والأقرب حملها على ما يفهم منها عرفا لأنها حقيقة عرفية لا لغوية البناني .

والعرف عندنا في وضيعة العشرة خمسة ونحوهما تصيير العشرة خمسة بحط النصف ( لا ) تصح المرابحة إن ( أبهم ) أي أجمل البائع ولم يبين ما يربح له وما لا يربح له ولا كون الربح على الجميع ( ك ) قوله ( قامت ) السلعة ( بكذا ) أي مائة مثلا أو ثمنها كذا ولم يفصل ، وباع بمرابحة العشرة أحد عشر لجهلهما أو المشتري الثمن عياض الوجه الرابع أن يبهم ذلك ويجمعه جملة فيقول : قامت علي بكذا أو ثمنها كذا ، وباع مرابحة للعشرة درهم فهذا بين الفساد على أصولهم لأنه لا يدري ما يحسب له من الثمن وما لا يحسب ، وما يضرب له الربح وما لا يضرب ، فهو جهل بالثمن منهما جميعا ، وإن علمه [ ص: 269 ] البائع فالمشتري جاهل به ، وهذه صورة من صور البيوع الفاسدة : وهو عندي ظاهر المدونة ( أو ) قال بائع المرابحة ( قامت ) السلعة ( بشدها وطيها بكذا ) كمائة ( ولم يفصل ) ثمنها وما له عين قائمة وما لا عين له قائمة وما لا يحسب وباعها بربح العشرة أحد عشر مثلا عياض الوجه الخامس أن يبهم ذلك ويجمعه جملة فيقول : قامت فيها النفقة بعد تسميتها فيقول : قامت علي بمائة بشدها وطيها وحملها وصبغها ، أو يفسرها فيقول عشرة منها في مؤنتها ولا يفسر المؤنة فهذه أيضا فاسدة لأنها عادت لجهل الثمن ويفسخ قاله أبو إسحاق وغيره . ا هـ . كلام " غ " البناني لكن لا ينبغي حمل كلام المصنف على الفساد وإن صرح به ابن رشد وعياض ، ونقله عن أبي إسحاق وغيره .

وقال : إنه ظاهر المدونة لذكره التأويلين ، وهما إنما يجريان على صحة البيع ولما ذكر في التوضيح كلام ابن رشد قال بعده : ونص ابن بشير على أن البيع لا يفسد بعدم التبيين . ا هـ . ولما ذكر ابن عرفة التأويلين قال ما نصه ابن رشد : الصواب فسخ هذا البيع لجهل المشتري الثمن . ا هـ . فجعل قول ابن رشد مخالفا لهما طفي وبهذا تعلم أن قول عج يتحتم الفسخ على أنه غش ، واعتراضه على المصنف غير ظاهر ولا سلف له فيه ( وهل هو ) أي الإبهام ( كذب ) أي حكمه حكم الكذب بزيادة في الثمن لزيادته فيه ما لا يحسب فيه ، وحمل الربح على ما لا يربح له ، ويأتي حكم الكذب في قول المصنف وإن كذب لزم المشتري إن حطه وربحه إلخ ، وهذا تأويل عبد الحق وابن لبابة وقاله سحنون وابن عبدوس ومال إليه أبو عمران ( أو ) هو ( غش ) أي حكمه حكم الغش ، وعلى هذا فالحكم هنا أنه يسقط ما يجب إسقاطه ، ورأس المال ما بقي فأتت السلعة أم لا ، ولا ينظر إلى قيمتها هكذا في التوضيح و " ق " عن عياض ، وهذا تأويل أبي عمران على الكتاب ، وإليه مال التونسي والباجي وابن محرز وأنكره ابن لبابة ، ولكن ظاهر المدونة تخيير المشتري مع القيام ، ونصها وإن ضرب الربح على الحمولة ولم [ ص: 270 ] يبين ذلك وقد فات المتاع بتغير سوق أو بدن حسب ذلك في الثمن ولم يحسب له ربح وإن لم يفت رد البيع إلا أن يتراضيا على ما يجوز ا هـ .

فظاهره الخيار مع عدم الفوات ، ويمكن أن يكون المراد بهذا التأويل والله أعلم وقد تبع المصنف أصحاب التأويلين في التعبير هنا بالكذب والغش ، فإصلاح كلامه على خلافه إفساد له ، ولكلام الأئمة وذلك مصرح به في كلام عياض وأبي الحسن ونقله في التوضيح والمواق ، وقد علمت أن ابن رشد قال : بالفساد وإنه خلاف التأويلين المبنيين على الصحة ونص أبي الحسن قال ابن رشد : مسألتان خرجتا عن الأصل في بيع المرابحة لم يحكم فيهما بحكم الكذب ولا الغش ، ولا بحكم العيب إحداهما هذه ، والثانية من باع مرابحة على ما عقد عليه ولم يبين ما نقده والله أعلم في الجواب ( تأويلان ) .




الخدمات العلمية