الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 98 ] وإن زيد غير عين وبيع بنقد : لم يقبض . جاز ، وإن عجل المزيد . [ ص: 99 - 101 ] وصح أول من بيوع الآجال فقط ; إلا أن يفوت الثاني فيفسخان .

[ ص: 98 ]

التالي السابق


[ ص: 98 ] وإن زيد ) بكسر الزاي مع رد الحمار المبيع بنقد مؤجل ( غير عين ) كفرس أو بقرة أو ثوب جاز إن عجل المزيد مع الحمار لأن البائع اشترى الحمار والعرض المزيد معه بما في ذمة المشتري ، فإن أخر المزيد امتنع لفسخ دين في دين ( و ) إن ( بيع ) بكسر الموحدة الحمار ( بنقد ) أي دنانير أو دراهم حالة ( لم يقبض ) بضم التحتية وفتح الموحدة حتى رد الحمار مع عرض أو نقد أو بمؤجل ورد الحمار مع عرض أو نقد بعد حلول أجل الثمن ( جاز ) الرد في المسألتين ( إن عجل ) بضم فكسر مثقلا ( المزيد ) مع الحمار كان عينا أو غيرها في الثانية بشرط كونها أقل من صرف دينار ، فإن أخر منع لأنه إن كان من جنس ثمن الأول فهو تأخير في بعض الثمن بشرط وهذا سلف مع البيع للحمار بباقي الثمن ، وإن كان من غير جنس الثمن الأول فهو صرف مؤخر إن كان عينا وفسخ دين في دين إن كان غيرها . واحترز بقوله لم يقبض عما إذا قبض فيجوز ولو تأخر المزيد . واحترز بالنقد عن بيعه بعرض فيجوز مطلقا إن كان معينا كغيره إن عجل المزيد وإلا منع البيع والسلف ، أو فسخ دين في دين وهذا كله في زيادة المشتري .

وأما زيادة البائع فجائزة على كل حال لأنه اشترى الحمار بما وجب له على المشتري وزيادة شيء آخر ، وليس فيه مانع إلا أن تكون الزيادة حمارا فتجوز نقدا لا إلى أجل لأنه سلف بزيادة قاله الشارح و ق .

( تنبيهات ) الأول : مسألتا الفرس والحمار ليستا من مسائل بيوع الآجال ، ولكن ذكرهما في المدونة في كتاب بيوع الآجال لتشابههما في بنائهما على سد الذرائع قاله في التوضيح ، وتبعه الحط ، وبحث فيه الناصر بأن بيع الأجل حقيقته بيع سلعة بثمن إلى أجل ، ولا شك أن كلا من الفرس والحمار بيع بالأثواب إلى أجل ، ولا مانع من كون رأس المال مبيعا لنصهم على أن كلا من العوضين مبيع بالآخر ا هـ . البناني تعريف ابن عرفة يشمل بعض صورهما . [ ص: 99 ] الثاني : تسمى مسألة الفرس مسألة البرذون لأنها فرضت في المدونة في برذون وفرضها البرادعي في فرس ، والثانية مسألة حمار ربيعة لأنه ذكرها ولكنها موافقة لأصول المذهب . الثالث : البناني مسألة الفرس متفق على منعها ، وكذا ما أشبهها مما أخذ فيه من جنس الدين ومن غير جنسه إلا أنه رأى في المدونة أن اتحاد الجنس في البعض كاتحاده في الجميع ، فعلل منعها بثلاث علل البيع والسلف وضع وتعجل ولأحط الضمان وأزيدك ، ورأى عبد الحق وغيره أن اختلاف الجنس في البعض ليس كاختلافه في الجميع ، فلا يدخل وضع وتعجل ولأحط الضمان وأزيدك لاختلاف شرطهما الذي هو اتحاد الجنس ، وإنما المنع لاجتماع البيع والسلف لا غير . وأيضا لو اعتبرت العلتان لمنعت المسألة ولو بقيت الخمسة لأجلها .

الرابع : البناني قوله وإن باع حمارا بعشرة لأجل هذا بعينه هو قوله كما لو استرده إلخ ، لكن هذه مفروضة فيما إذا كان الثمن عينا ، وتلك مفروضة فيما إذا كان غير عين ففي كل فائدة . الخامس : البناني حاصل مسألة الحمار أربعة وعشرون وجها لأن البيع والفرض إنه بدنانير لا يخلو إما أن يكون إلى أجل أو نقدا ، فإن كان إلى أجل فالمردود مع الحمار إما دينار أو دراهم أو عرض ، فهذه ثلاثة وفي كل إما أن يكون المزيد نقدا أو لدون الأجل أو للأجل نفسه أو لأبعد منه فهذه ثنتا عشرة صورة لا يجوز منها إلا صورتان ، كون المزيد ذهبا من جنس الثمن مؤخرا للأجل نفسه أو عرضا معجلا ، والصور العشرة كلها ممنوعة للبيع والسلف في زيادة الذهب والصرف المؤخر في الورق وفسخ الدين في دين في العرض وإن كان البيع نقدا فالمزيد إما أن يكون نقدا أو مؤجلا ، وفي كل إما ذهب أو ورق أو عرض فهذه ست ، وسواء في جميعها انتقد البائع أم لم ينتقد على تأويل ابن يونس ، فهذه ثنتا عشرة صورة أيضا ، فصور المزيد النقد وهي ست تجوز كلها ، لكن يشترط في الورق كونه أقل من صرف دينار .

[ ص: 100 ] وصور المزيد المؤجل ست أيضا منها ثلاث فيما إذا لم ينتقد البائع وتمتنع كلها للعلل المتقدمة وثلاث منها فيما انتقدها أجازها ابن أبي زيد ، وهو ظاهر تقييد المصنف كابن الحاجب بقوله لم يقبض قال في ضيح ، وخالفه غيره كابن يونس ورأى أن المنع متصور في المسألة وإن نقد لأنه يقدر أن البائع الأول اشترى الحمار بتسعة على أن يسلف قابضها العاشر إلى الأجل . ا هـ . يعني أن البائع عند الإقالة رد للمشتري العشرة على أن يأخذ منه دينارا مؤخرا فهو بيع وسلف ، فإن كانت الزيادة المؤخرة من المشتري ورقا كان صرفا مؤخرا . نعم إن كانت الزيادة عرضا مؤخرا فلا يظهر وجه المنع لأن غايته أن البائع اشترى بالعشرة الحمار والعرض المؤخر . ونص ابن عرفة الصقلي قيد الشيخ بأنه لم ينقد ولا وجه له . المازري تابع الشيخ على تقييده بعض الأشياخ وأنكره بعض المتأخرين ، وقال : يتصور فيه البيع والسلف وإن نقد لأنه يقدر أنه اشترى الحمار بتسعة من الدنانير التي قبض على أن يسلف قابضها الدينار العاشر .

قلت : إن كانت الزيادة من المبتاع عينا فواضح منعها ولو بعد النقد ، بل هو أوضح منه قبل النقد بحيث لا يخفى على من دون الشيخ ، وإن كانت غير عين امتنعت قبل النقد لأنه فسخ دين في دين ، وجازت بعده على حكم ابتداء البيع ، فتقييد الشيخ إنما هو لعموم سلف جواز الزيادة في العين وغيرها ، فقول الصقلي لا وجه له ليس كذلك ا هـ . هذا كله في بيع الحمار ونحوه مما يعرف بعينه فإن كان المبيع مما لا يعرف بعينه كالطعام فحكمه قبل الغيبة عليه حكم ما يعرف بعينه في الصور المذكورة كلها . وأما بعد الغيبة عليه وذلك كبيع وسق من طعام وغيبة المشتري عليه ثم استقالة البائع على أن يزيده شيئا فلا يجوز لأن الزيادة حينئذ ربح السلف وكذا استقالته قبل كيل الطعام على زيادة المشتري شيئا لبيع الطعام قبل قبضه ، هذا كله في الإقالة بزيادة من المشتري ، فإن كانت من البائع جازت في جميع ما تقدم إلا صورة وهو تأجيل المزيد من صنف المبيع فيمنع لأنه سلف بزيادة هذا ملخص كلام أبي الحسن . [ ص: 101 ] وصح ) بيع ( أول من بيوع الآجال ) الواقعة على الوجه الممنوع كبيع شيء بعشرة لشهر وشرائه بخمسة نقدا أو لنصفه أو باثني عشر لشهرين إذا اطلع عليه قبل فوات المبيع فقد صح بيعه بعشرة ( فقط ) أي دون بيعه الثاني فيفسخ لأن الفساد إنما جاء منه وهو دائر معه .

أما فسخ الثاني فقال ابن الحاجب وغيره باتفاق ، وحكى اللخمي فيه قولا ضعيفا . وأما عدم فسخ الأول فهو قول ابن القاسم وهو الصحيح . وقال ابن الماجشون : يفسخ البيعان معا إلا أن يصح أنهما لم يتعاملا على العينة فيصح الأول فقط في كل حال ( إلا أن يفوت ) مبيع البيع ( الثاني ) بيد المشتري الثاني وهو البائع الأول . ابن رشد اختلف فيما تفوت به السلعة فقيل : تفوت بحوالة سوق وهو مذهب سحنون والصحيح أنها لا تفوت إلا بالعيوب المفسدة إذ ليس هو ببيع فاسد لثمن ولا مثمون ، وإنما فسخ لأنهما تطرقا به إلى استباحة الربا وإلى هذا ذهب . أبو إسحاق التونسي وغيره من فقهاء المتأخرين ( فيفسخان ) أي البيع الأول والثاني لسريان الفساد من الثاني للأول وحينئذ فلا طلب لأحدهما على الآخر لرجوع المبيع فاسدا لبائعه ، فصار ضمانه منه ، وسقط ثمنه الأول عن مشتريه الأول لرجوعه لبائعه فيرجع به إن كان قد دفعه ، وسقط الثمن الثاني عن المشتري الثاني لفساد شرائه باتفاق .

فإن قلت : لم اعتبر سريان الفساد في فواته بيد المشتري الثاني ولم يعتبر في فواته بيد المشتري الأول . قلت : لأن فواته بيد الثاني قد حصل بعد تقوي البيع الثاني بالقبض وهو الفاسد ، وإذا فاتت بيد الأول لم يحصل للثاني قوة بالقبض فضعف ولم يمض الفاسد هنا بالثمن على قاعدة الفاسد المختلف فيه لئلا يتم الربا بينهما وهو دفع قليل في كثير . .




الخدمات العلمية