الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 460 ] والحوز بعد مانعه لا يفيد . ولو شهد الأمين . وهل تكفي بينة على الحوز قبله وبه عمل ؟ [ ص: 461 ] أو التحويز ؟ تأويلان . وفيهما دليلهما

التالي السابق


( والحوز ) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وآخره زاي أي حيازة الرهن المرتهن أو الأمين ودعواه ( بعد ) حصول ( مانعه ) أي الحوز من فلس أو موت أو جنون أو مرض الراهن المتصلين بموته أن حيازته قبله ( لا يفيد ) الحوز بعد مانعه اختصاص المرتهن بالرهن فيحاصصه فيه سائر غرماء الراهن إن لم يشهد الأمين للمرتهن بسبق حوزه مانعه ، بل ( ولو شهد الأمين ) الذي بيده الرهن أنه حازه قبل مانعه لأنها شهادة على فعل نفسه فهي في الحقيقة دعوى . وأشار بلو لقول سحنون تقبل شهادته في الدين والرهن . طفي ليس مراده حدوث الحوز بعد المانع لأن هذا فهم من قوله وبطل بموت راهنه وفلسه قبل حوزه ، بل مراده أن وجوده عند المرتهن بعد المانع لا يفيد مع دعواه أنه حازه قبله وعليه تأتي المبالغة في قوله ولو شهد الأمين ، وهذا معنى قول ابن الحاجب ويد المرتهن بعد الموت والفلس لا يثبت بها الحوز وإن اتفقا إلا ببينة أنه حازه قبل .

الخرشي يعني أن المرتهن إذا ادعى فيما هو محوز بيده أنه حازه قبل حصول المانع القائم الآن بالراهن فإنه لا يعمل بقوله ولا يختص به عن الغرماء ولو شهد له الأمين الذي وضع الرهن تحت يده بذلك لأنه شهد على فعل نفسه وهو الحوز ، ولا بد من معاينة البينة له قبله .

( وهل تكفي بينة على الحوز ) أي القبض ( قبله ) أي المانع وإن لم يحضروا التحويز ولا عاينوه لأن الأصل كونه بتحويز الراهن . ابن عات ( وبه ) أي القول بكفاية بينة [ ص: 461 ] الحوز ( عمل ) بضم فكسر أي حكم ( أو ) لا تكفي بينة على الحوز لاحتمال أنه بلا إذن الراهن ولا بد من بينة على ( التحويز ) أي تسليم الراهن الرهن للمرتهن أو لأمين قولان ذكرهما ابن يونس وغيره . ابن ناجي يكفي شاهد واحد إذا كان بيد المرتهن اتفاقا ، وإن كان بيد غيره كفى باختلاف ( وفيها ) أي المدونة ( دليلهما ) أي مفيد القولين . تت فدليل الأول قول هبتها إن قبض الهبة الموهوب له بغير إذن الواهب جاز قبضه إذ يقضى على الواهب بذلك إذا منعه .

ابن عرفة ظاهر تعليله بالقضاء عليه بذلك يوجب كون الرهن كذلك . ودليل الثاني كما قال ابن عرفة ظاهر عموم قول هبتها لا يقضى بالحيازة إلا بمعاينة البينة لحوزه في حبس أو رهن . أو هبة أن مجرد الإشهاد أو الإقرار لغو في الحوز ، وكان يجري في المذاكرات أن التحويز شرط في حوز الرهن لا يكفي الحوز دونه لبقاء ملك الراهن بخلاف الهبة ا هـ .

الحط أشار بهذا لظاهر كلامها في كتاب الهبة ونصه ولا يقضى بالحيازة إلا بمعاينة البينة لحوزه في حبس أو رهن أو هبة أو صدقة ، ولو أقر المعطي في صحته أن المعطي قد حاز وقبض وشهد عليه بإقراره بينة ثم مات فلا يقضى به إن أنكر ورثته حتى تعاين البينة الحوز . ا هـ . ووجه كونه دالا عليهما أن قولها حتى تعاين البينة الحوز يحتمل أن المراد بالحوز الحيازة والاستيلاء ووضع اليد ، ويحتمل أن المراد به التحويز والتسليم والدفع .

وجعل المصنف عبارة ابن الحاجب محتملة للقولين وهي كعبارة المدونة ونص ابن الحاجب ويد المرتهن بعد الموت والفلس لا يثبت بها الحوز وإن اتفقا إلا ببينة معاينة أنه حاز قبله المصنف ، يعني إذا وجد بيد من له دين عند شخص سلعة للمدين بعد موته أو فلسه وادعى أنها رهن عنده فلا يصدق في ذلك ولو وافقه الراهن خشية أن يتقارا لإسقاط حق باقي الغرماء . عبد الملك في الموازية والمجموعة لا ينفعه ذلك حتى يعلم أنه حازه قبل الموت والفلس . محمد صوابه لا ينفعه إلا معاينة الحوز وهو الذي ذكره اللخمي أنه لا بد من معاينة البينة لقبض المرتهن . وذكر ابن يونس قولين أي هل يكتفى بمعاينة [ ص: 462 ] الحوز أو التحويز واختار الباجي الحوز ، قال وعندي لو ثبت أنه وجد بيده قبل الموت والفلس ثم أفلس أو مات لوجب أن يحكم له بحكم الرهن ، ولعله معنى قول محمد ولكن ظاهر لفظه خلافه .

وذكر ابن عبد السلام عن بعض الأندلسيين أن الذي جرى به العمل عندهم أنه إذا وجد الرهن بيد المرتهن وقد حازه كان رهنا وإن لم يحضروا الحيازة . ثم قال في ضيح قول المصنف بمعاينة أنه حاز يحتمل كلا القولين لكن المفهوم من المعاينة أنه لا بد من الشهادة على التحويز ا هـ . الحط ما ذكر من الاحتمال في لفظ ابن الحاجب يأتي مثله في لفظ المدونة ، فعلم صحة قوله وفيها دليلهما وسقط اعتراض الشارح و " غ " ا هـ . البناني ومثله في حاشية الناصر ونص ابن عات إن كانت الحيازة بالمعاينة جاز ويخرج من إدارته إلى إدارة المرتهن وملكه والعمل على أنه إذا وجد بيده وقد حازه كان رهنا ، وإن لم يحضروا الحيازة ولا عاينوها لأنه صار مقبوضا وكذلك الصدقة . ا هـ . فقوله وبه عمل إشارة لكلام ابن عات .

" غ " أشار بقوله وفيها دليلهما لقول المقدمات ولا تنفع الشهادة في حيازة الرهن إلا بمعاينة البينة لأن في تقارر المتراهنين بالحيازة إسقاط حق غيرهما إذ قد يفلس الراهن فلا يقبل إقراره بعده بالحيازة ولو وجد الرهن بيد المرتهن بعد تفليس الراهن فادعى أنه قبضه قبله وجحده الغرماء لجرى على الاختلاف في الصدقة توجد بيد المتصدق عليه بعد موت المتصدق فيدعي قبضها في صحته . وفي المدونة دليل القولين معا ولو لم يتعلق به حق للغرماء لوجب تصديق الراهن وقبول إقراره لأنه قد حاز الرهن فيكون شاهدا على حقه إلى مبلغ قيمته . ا هـ . ونقله المتيطي ، فأنت ترى المصنف نزل كلام ابن رشد في غير محله إذ رد دليل المدونة لبينة الحوز والتحويز وإنما قال ذلك ابن رشد فيما إذا وجد الرهن بيد مرتهنه بعد تفليس الراهن فادعى أنه قبضه قبله ولا بينة له .

ثم قال وفي النوادر عن مطرف وأصبغ في الرهن يوجد بيد مرتهنه بعد موت راهنه [ ص: 463 ] يقبل قوله في حوزه في صحته ، وكذا الهبة خلاف قول ابن حبيب وابن الماجشون لا يقبل فيهما . ثم قال أبو الحسن سبب الخلاف الاستصحابان استصحاب ملك لا ينتقل عنه إلا بيقين واستصحاب أن هذا الانتقال كان بوجه جائز ا هـ فتأمل هذا كله مع تنزيل المصنف . تت تتمة صفة قبض الرهن . المازري نقل التصرف فيه عن راهنه لمرتهنه فما ينقل ينقله تحت يده أو يد أمين وما ينقل كالربع يصرف التصرف فيه عن راهنه لمرتهنه .

وإن كان بيتا به متاع راهنه فإن ولي الراهن التصرف فيه بطل حوزه وإن خص به المرتهن فقيل حوز وفيه نظر .




الخدمات العلمية