الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 456 ] وإن في جعل

التالي السابق


، بل ( وإن في جعل ) بضم فسكون بأن يجاعله على عمل معلوم بجعل معلوم ويرتهن العامل عن الجاعل رهنا في الجعل الذي يلزمه بتمام العمل ، أو يعجل الجاعل لجعل ويرتهن من العامل رهنا في الجعل .

طفي أطبق من يعتد به من شراحه على أن المراد بقوله وإن في جعل أي في عوض جعل والراهن ، أما الجاعل للمجعول له في الجعل الذي يستحقه بتمام العمل ، وأما المجعول له في الجعل الذي أخذه قبل العمل وأنه لا يصح كون المعنى عمل جعل لأن العمل في الجعل ليس بلازم ولا آيلا إلى اللزوم ، إذ للمجعول له الترك متى يشاء ، ثم قال وهذا منهم على تسليم أن شرط المرهون به كونه لازما أو آيلا إلى اللزوم ، ثم قال وهذا الشرط ذكره ابن الحاجب تبعا لابن شاس ، وأخرجا الكتابة وتعقبه ابن عبد السلام قال في نسبته للمذهب نظر ، فإن صحت فهو خلاف المشهور إذ في المدونة وكتاب ابن المواز جواز الرهن في الكتابة من المكاتب ، وتبع ابن شاس الشافعية ولا يبعد كونه قولا في المذهب على قول من قال له أن يعجز نفسه وإن كان له مال ظاهر لكون الكتابة على هذا ليست دينا لازما لا على المشهور أنه ليس له ذلك إن كان له مال ظاهر . ا هـ . فسلم اشتراط اللزوم ونازع في إخراج الكتابة فهي دين لازم عنده على المشهور ، ولذا صح الرهن فيها من المكاتب ، قال وإنما لم يصح من غيره لأنه يصير حمالة والحمالة لا تصح في الكتابة .

ونازعه ابن عرفة بقوله وقول ابن عبد السلام لا يبعد كونه قولا في المذهب على القول أن للمكاتب تعجيز نفسه وله مال ظاهر فلا يكون ما عليه لازما له يتقرر منه رهن . يرد بأنه يلزم عليه القول بامتناع الرهن بكراء مشاهرة والتزامه خروج عن المذهب ا هـ ، [ ص: 457 ] فقد رد اشتراط اللزوم وهو ظاهر ولذا حاد عما قاله ابن الحاجب وابن شاس في المرهون به من شرط كونه لازما وقال فيه مال كلي لا يوجب الرهن فيه غرم راهنه مجانا بحال . فقولنا مال دون دين في الذمة ليشمل الكتابة ويخرج بالكلي المال المعين لامتناع الرهن به لملزومية انقلاب حقيقته أو حقيقة الرهن لأنه إن استوفى من الرهن بطل كونه معينا ، وإن لم يستوف بطل كون الرهن توثقا به فتبطل حقيقة الرهن . وقولنا لا يوجب إلخ يدخل الكتابة بالنسبة للمكاتب لا بالنسبة لغيره لأنه من المكاتب لا يوجب عليه غرما مجانا بحال لأنه إن أدى الكتابة دون الرهن أو به لم يوجب عليه غرما مجانا بحال ، وإن عجز فكذلك لأنه بعجزه صار ملكه ملكا لسيده ضرورة نفوذ انتزاع السيد ماله ، وهذا لا يصدق عليه الغرم مجانا بحال وأخذ الرهن من أجنبي في الكتابة يوجب على الراهن غرما مجانا في حال عجزه بعد أخذ الرهن فيما رهن فيه أو بعضه ضرورة أنه لا رجوع للراهن على المكاتب لأنه لم يعامله به ولا على سيده لأنه إنما أخذه في الكتابة وهي لا يرد ما أخذ منها لعجز المكاتب ا هـ .

والظاهر أن المصنف حاد عن عبارتهما لما قاله ابن عرفة والله أعلم . البناني اعتراض ابن عرفة بالرهن في كراء المشاهرة غير ظاهر لأنه وإن لم يكن لازما فهو آيل إلى اللزوم ، وادعى طفي أن المراد بالآيل إلى اللزوم أن يرهن فيه بعد لزومه لا ابتداء قال وهذا مراده مشترط اللزوم ، واستدل له بكلام ابن شاس وابن فرحون وفيه نظر لأن قوله وارتهن إن أقرض إلخ يدل على أنه يرهن فيه قبل اللزوم أيضا ومنه كراء المشاهرة فالظاهر ما لابن عبد السلام والله أعلم .




الخدمات العلمية