الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 435 - 436 ] وباشتراطه في بيع فاسد ظن فيه اللزوم

التالي السابق


( و ) بطل ( باشتراطه ) أي الرهن ( في بيع فاسد ظن ) الراهن ( فيه ) أي البيع الفاسد ( اللزوم ) لثمن المبيع المرهون فيه ، وأولى إن لم يظن لزومه فالرهن باطل فلراهنه أخذه من مرتهنه ، كمن ظن أن عليه دينا فدفع لصاحبه رهنا فيه ثم تبين أنه لا دين عليه فله أخذه منه ، ومثل البيع القرض الفاسد وظاهره كابن شاس بطلانه ولو فات المبيع ولزمه قيمته أو مثله فلا يكون رهنا فيما لزمه ، ولا مفهوم لاشتراطه ، بل عدمه أولى لتوهم العمل بالشرط . ومفهوم ظن اللزوم أنه إن علم أنه لا يلزمه وفات المبيع فالظاهر على هذا القول كونه رهنا في عوضه ، وما مشى عليه المصنف خلاف المعتمد والمذهب أنه يكون رهنا في عوض المبيع الفائت ، وظاهره اشترط الرهن أم لا ، ظن اللزوم أم لا .

" غ " أشار به لقول ابن شاس لو شرط عليه رهن في بيع فاسد فظن لزوم الوفاء به فرهنه فله الرجوع عنه ، كما لو ظن أن عليه دينا فأداه ثم تبين أنه لا دين فإنه يسترده . ا هـ . [ ص: 437 ] وهو نص ما وقفت عليه في وجيز الغزالي ، وقد أصاب ابن الحاجب في إضرابه عنه صفحا ، ونقله في التوضيح عند قوله أو يعمل له ولم يعرج عليه ابن عرفة بقبول ولا رد خلاف عادته ، وما أراه إلا مخالفا للمذهب .

ابن عرفة اللخمي إن كان الرهن بدينارين قضى أحدهما أو بثمن عبدين استحق أحدهما أو رد بعيب أو بمائة ثمن عبد بيع فاسدا فكانت قيمته خمسين فالرهن رهن بما بقي .

وقال ابن يونس ابن حبيب أصبغ ابن القاسم فيمن ابتاع بيعا فاسدا على أن يرتهن بالثمن رهنا صحيحا أو فاسدا رهنه إياه وقبضه فإنه أحق به من الغرماء لأنه عليه وقع البيع وكذا إن كان البيع صحيحا والرهن فاسدا على أن اللخمي وابن يونس لم يتنازلا في ظن اللزوم . ا هـ . ونقله الحط ثم قال ونص اللخمي اختلف إذا كان الرهن بدينين فقضى أحدهما أو بعبدين فاستحق أحدهما ، أو رد بعيب أو كان عبدا واحدا بيع بمائة بيعا فاسدا فكانت قيمته خمسين فقيل في جميع ذلك يكون الرهن رهنا بالباقي .

وحكى ابن شعبان إذا كان الرهن في حقوق ثلاثة فقضى أحدها فإنه يخرج من الرهن بقدره ، ففي كتاب محمد فيمن له على رجل مائة دينار ثم أقرضه مائة على أن رهنه رهنا بالأول والثاني قولان ، فقيل يقبض الرهن ويسقط نصفه المقابل للدين الأول ، واختار محمد كون جميعه رهنا بالثاني مثل ما في المدونة ، وعلى هذا يفض الرهن في الاستحقاق إذا استحق أحد العبدين أو رد بعيب أو في الطلاق إذا رهن بالصداق ثم طلق قبل الدخول ، والفض أحسن إلا أن تكون عادة أنه يبقى رهنا في الباقي . ومن أسلم دينارا في ثلاثين درهما وأخذ بها رهنا ثم فسخ ذلك فإن كان الدينار والدراهم سواء كان أحق به حتى يعود إليه ديناره ، وإن كانت قيمة الدينار أربعين كان أحق بثلاثة أرباع الرهن ، والباقي هو أسوة الغرماء لأنه إنما دخل على أن يكون رهنا في ذلك القدر .

واختلف إذا كانت قيمة الدينار عشرين في كونه أحق بجميعه أو بثلثيه ، ويسقط من الرهن ما ينوب العشرة الزائدة لأنها كالمستحقة ا هـ . ونص ابن يونس صريح في المسألة ، [ ص: 438 ] والعجب من " غ " في عدم نقله قال فيها ومن لك عليه دين إلى أجل من بيع أو قرض فرهنك به رهنا على أنه إن لم يفتكه منه إلى الأجل فالرهن لك بدينك لم يجز بذلك ، وينقض هذا الرهن ولا ينظر به الأجل ، ولك أن تحبس الرهن حتى تأخذ حقك وأنت أحق به من الغرماء . أبو محمد يريد ويصير السلف حالا .

ابن يونس هذا إذا كان الرهن في أصل البيع أو السلف فيفسد البيع والسلف لأنه لا يدري ما يصح له من ثمن السلعة أو الرهن ، وكذا في السلف لا يدري هل يرجع له ما سلف أو الرهن ، فإن عثر على ذلك قبل الأجل أو بعده فسخ البيع إن لم تفت السلعة بحوالة سوق فأعلى ففيها القيمة حالة ، ويصير السلف حالا والمرتهن أولى بالرهن حتى يأخذ حقه لوقوع البيع عليه ، ولو كان الرهن بعد صحة البيع والسلف فلا يفسخ إلا الرهن وحده ويأخذه ربه ويبقى البيع والسلف بلا رهن إلى أجله ، ولا يكون المرتهن أحق به في فلس ولا في موت لقولهم فيمن له دين على رجل إلى أجل فأخذ منه رهنا على أن يؤخره إلى أبعد من الأجل أنه يجوز لأنه سلف بنفع . قال غير ابن القاسم ولا يكون الرهن رهنا به وإن قبض في فلس الغريم أو موته .

أبو الحسن حمل أبو محمد وابن يونس مسألة الكتاب على أنه في أصل العقد ، ثم قال الحط وقال الرجراجي وأما إذا كانت المعاملة فاسدة والرهن صحيح مثل أن يقع البيع على نعت الفساد بثمن إلى أجل فيرهنه بالثمن رهنا صحيحا إلى الأجل فيفسخ البيع وترد السلعة مع القيام والرهن إلى راهنه ، فإن فاتت السلعة بمفوت البيع الفاسد فالمرتهن أحق بالرهن من الغرماء حتى يقبض القيمة قولا واحدا ، انتهى ، فعلم من هذا أن المصنف إنما تبع ابن شاس وكلامه مخالف للمدونة ولجميع ما تقدم نقله .

( تنبيهات ) الأول : علم أن السلف الفاسد حكمه كحكم البيع الفاسد .

الثاني : إذا قلنا لا يبطل الرهن في البيع الفاسد فتارة يفسخ وهذا مع قيام السلعة ، [ ص: 439 ] وتارة ينقل للقيمة إذا فاتت السلعة ، فإن كانت مساوية الثمن فالأمر ظاهر ، وإن كانت أقل فهل يكون جميع الرهن رهنا بها وهو مذهب المدونة وهو المشهور أولا قولان ، وإن كانت أكثر كان الرهن رهنا في قدر الثمن منها فقط .

الثالث : لا يقال لا مخالفة بين كلام المصنف والنقول المتقدمة لأنه لا يلزم من بطلان الرهن منع التوثق به حتى يتصل بعين شبه لأنا نقول لا معنى لصحة الرهن إلا ذلك ، ولا معنى لبطلانه إلا عدم ذلك ، وهذا ظاهر ، ونبهنا عليه لتوهمه بعض الناس .

الرابع : ابن حبيب إن وقع الرهن فاسدا بعد تمام البيع فلا يختص به المرتهن لأنه لم يخرج من يده شيئا بهذا الرهن .

الخامس : ابن يونس فإن حل الأجل في مسألة الكتاب ولم يدفع إليه المرهون فيه فإنه يصير كأنه باعه الرهن بيعا فاسدا فيفسخ ما لم يفت ، ويكون أحق به من الغرماء . قال مالك رضي الله تعالى عنه ، فإن حل الأجل والرهن بيدك أو بيد أمين فقبضته لم يتم لك ملك الرهن بشرطك فترده إلى ربه وتأخذ دينك ولك حبسه حتى تأخذ دينك . ابن يونس فإن فات الرهن بيدك بحوالة سوق فأعلى في الحيوان والسلع والهدم والبناء والغرس والقلع في العقار فلا ترده ، ولزمتك قيمته يوم الأجل لأنه بيع فاسد يومه والسلعة مقبوضة فتقاصصه بدينك وتترادان الفضل .

السادس : ابن يونس اختلف إذا كان بيد أمين فقيل يضمنه المرتهن لأن يد ربه به ارتفعت عنه ويد الأمين كيد المرتهن لأنه وكيله ، وقيل لا يضمنه المرتهن إلا بعد قبضه من الأمين لأنه كان حائزا للبائع فبقي على حوزه له والأشبه أن يكون الضمان من المرتهن .




الخدمات العلمية