الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 95 ] ( فصل )

قال ( وإذا وكل وكيلين ) ( فليس لأحدهما أن يتصرف فيما وكلا به دون الآخر ) وهذا في تصرف يحتاج فيه إلى الرأي كالبيع والخلع وغير ذلك [ ص: 96 ] لأن الموكل رضي برأيهما لا برأي أحدهما ، والبدل وإن كان مقدرا ولكن التقدير لا يمنع استعمال الرأي في الزيادة واختيار المشتري . قال ( إلا أن يوكلهما بالخصومة ) لأن الاجتماع فيها متعذر للإفضاء إلى الشغب في مجلس القضاء والرأي يحتاج إليه سابقا لتقويم الخصومة

[ ص: 95 ]

التالي السابق


[ ص: 95 ] فصل )

لما ذكر حكم وكالة الواحد ذكر في هذا الفصل حكم وكالة الاثنين لما أن الاثنين بعد الواحد فكذلك حكمهما ، كذا في الشروح . قال في غاية البيان بعد ذكر هذا الوجه : ولكن مع هذا لم يكن لذكر الفصل كبير حاجة ، إلا أن يقال : يفهم هنا شيء آخر غير الوكالة بالبيع وهو الوكالة بالخلع والطلاق والتزويج والكتابة والإعتاق والإجارة ، وهذا حسن انتهى ( وإذا وكل وكيلين فليس لأحدهما أن يتصرف فيما وكلا به دون الآخر ) هذا لفظ القدوري في مختصره . اعلم أن هذا الحكم فيما إذا وكلهما بكلام واحد بأن قال وكلتهما ببيع عبدي أو بخلع امرأتي ، وأما إذا وكلهما بكلامين كان لكل واحد منهما أن ينفرد بالتصرف كما صرح به في المبسوط حيث قال في باب الوكالة بالبيع والشراء : وإذا وكل رجلا ببيع عبده ووكل آخر به أيضا فأيهما باع جاز لأنه رضي برأي كل واحد منهما على الانفراد حيث وكله ببيعه وحده ، بخلاف الوصيين إذا أوصى إلى كل واحد منهما في عقد على حدة حيث لا ينفرد واحد منهما بالتصرف في أصح القولين لأن وجوب الوصية بالموت ، وعند الموت صارا وصيين جملة واحدة ، وهاهنا حكم الوكالة يثبت بنفس التوكيل ، فإذا أفرد كل واحد منهما بالعقد استبد كل واحد منهما بالتصرف انتهى . قال المصنف ( وهذا ) أي الحكم المذكور في مختصر القدوري وهو عدم جواز تصرف أحد الوكيلين بدون الآخر ( في تصرف يحتاج فيه إلى الرأي كالبيع والخلع وغير ذلك ) أقول : فيه شيء .

وهو أنه لو كان هذا الذي ذكره القدوري في مختصره مقيدا بتصرف يحتاج فيه إلى الرأي لما احتاج إلى استثناء أمور أربعة من الأمور الخمسة التي استثنى التوكيل بها من الحكم المذكور ، وهي ما سوى الخصومة لأنها مما لا يحتاج فيه إلى الرأي كما سيأتي التصريح به من المصنف ، ومع ذلك لما تمم الجمع بين تلك الأمور الخمسة في الاستثناء بكلمة واحدة ، لأن الاستثناء يصير حينئذ متصلا بالنظر إلى التوكيل بالخصومة ومنقطعا بالنظر إلى التوكيل بما سواها ، وقد تقرر في كتب الأصول أن صيغة الاستثناء حقيقة في المتصل مجاز في المنقطع ، فيلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز ، فالأظهر أن كلام القدوري هاهنا مطلق ، وبعد الاستثناء الآتي يخرج منه ما لا يحتاج فيه إلى الرأي ، وما يحتاج فيه إلى الرأي ولكن يتعذر الاجتماع عليه كالخصومة ويصير الاستثناء متصلا بالنظر إلى الكل فينتظم المقام ويتضح المرام . فإن قلت : ليس مراد المصنف أن كلام القدوري هاهنا مقيد بما ذكره المصنف قبل دخول الاستثناء عليه [ ص: 96 ] حتى يرد عليه ما ذكر ، بل مراده بيان حاصل المعنى بملاحظة دخول الاستثناء الآتي عليه .

قلت : حاصل المعنى هاهنا بملاحظة الاستثناء الآتي أن يكون التوكيل في تصرف يحتاج فيه إلى الرأي ولا يتعذر الاجتماع عليه ، وهذا أخص مما ذكره المصنف ، فبيان المعنى هاهنا بما ذكره لا يطابق الحاصل من كلام القدوري لا قبل الاستثناء ولا بعده فلا يجدي كبير طائل كما لا يخفى . وقال المصنف في تعليل أصل المسألة ( لأن الموكل رضي برأيهما لا برأي أحدهما ) إذ لا ينال برأي أحدهما ما ينال برأيهما ، حتى إن رجلا لو وكل رجلين ببيع أو بشراء فباع أحدهما أو اشترى والآخر حاضر لم يجز إلا أن يجيز الآخر ، وفي المنتقى : وكل رجلين ببيع عبده فباعه أحدهم والآخر حاضر فأجاز بيعه جاز ، وإن كان غائبا عنه فأجازه لم يجز في قول أبي حنيفة ، كذا في الذخيرة .

وذكر في المبسوط : لو وكل رجلين ببيع شيء وأحدهما عبد محجور أو صبي لم يجز للآخر أن ينفرد ببيعه لأنه ما رضي ببيعه وحده حين ضم إليه رأي الآخر ، ولو كانا حرين فباع أحدهما والآخر حاضر فأجاز كان جائزا لأن تمام العقد برأيهما ، ولو مات أحدهما أو ذهب عقله لم يكن للآخر أن يبيعه وحده لأنه ما رضي برأيه وحده ( والبدل وإن كان مقدرا ) هذا جواب شبهة ، وهي أنه إذا قدر الموكل البدل في البيع ونحوه لا يحتاج إلى الرأي ، فينبغي أن ينفرد كل واحد منهما بالتصرف في ذلك كما في التوكيل بالإعتاق بغير عوض ، فأجاب عنها بأن البدل وإن كان مقدرا ( ولكن التقدير لا يمنع استعمال الرأي في الزيادة واختيار المشتري ) يعني أن تقدير البدل إنما يمنع النقصان لا الزيادة ، وربما يزداد الثمن عند اجتماعهما لذكاء أحدهما وهدايته دون الآخر فيحتاج إلى رأيهما من هذه الحيثية ، وكذا يختار أحدهما المشتري الذي يماطل في الثمن دون الآخر فيحتاج إلى ذلك من هذه الحيثية أيضا ( قال ) أي القدوري في مختصره ( إلا أن يوكلهما بالخصومة ) هذا استثناء من قوله فليس لأحدهما أن يتصرف فيما وكلا به دون الآخر : يعني أن أحد الوكيلين لا يتصرف بانفراده إلا في الخصومة ، فإنه لو خاصم أحدهما بدون الآخر جاز .

وذكر في الفوائد الظهيرية : فإذا انفرد أحدهما بالخصومة هل يشترط حضور صاحبه في خصومته ؟ بعض مشايخنا قالوا : يشترط ، وعامة مشايخنا على أنه لا يشترط ، وإطلاق محمد يدل على هذا . قال المصنف في تعليل ما في الكتاب ( لأن الاجتماع فيها ) أي في الخصومة ( متعذر للإفضاء إلى الشغب ) الشغب بالتسكين تهييج الشر ، ولا يقال شغب بالتحريك ، كذا في الصحاح ( في مجلس القضاء ) ولا بد من صيانة مجلس القضاء عن الشغب لأن المقصود فيه إظهار الحق وبالشغب لا يحصل ، ولأن فيه ذهاب مهابة مجلس القضاء ، فلما وكلهما بالخصومة مع علمه بتعذر اجتماعهما صار راضيا بخصومة أحدهما ( والرأي يحتاج إليه سابقا لتقويم الخصومة ) إشارة إلى دفع قول زفر ، فإنه قال : ليس لأحدهما أن يخاصم دون صاحبه لأن الخصومة يحتاج فيها إلى الرأي [ ص: 97 ] والموكل إنما رضي برأيهما .

وجه الدفع أن المقصود وهو اجتماع الرأيين يحصل في تقويم الخصومة سابقا عليها فيكتفي بذلك




الخدمات العلمية