2888 2889 2890 ص: وقد روي أيضا عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - : "أن النبي - عليه السلام - صلى على قتلى أحد بعد مقتلهم بثمان سنين " .
حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو ، وابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، أن أبا الخير أخبره ، أنه سمع عقبة بن عامر يقول : " إن آخر ما خطب لنا رسول الله - عليه السلام - أنه صلى على شهداء أحد ، ثم رقى على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إني لكم فرط ، وأنا شهيد عليكم " .
حدثنا علي بن معبد ، قال : ثنا يونس بن محمد ، قال : ثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر : " أن رسول الله - عليه السلام - خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت " . . [ ص: 396 ] ففي حديث عقبة أن رسول الله - عليه السلام - صلى على قتلى أحد بعد مقتلهم بثمان سنين فلا تخلو صلاته عليهم في ذلك الوقت من أحد ثلاثة معان : إما أن تكون سنتهم كانت أن لا يصلى عليهم ، ثم نسخ ذلك الحكم بعد بأن يصلى عليهم .
أو تكون تلك الصلاة التي صلاها عليهم تطوعا وليس للصلاة عليهم أصل في السنة والإيجاب .
أو يكون من سنتهم أن لا يصلى عليهم بحضرة الدفن ويصلى عليهم بعد طول المدة .
لا يخلو فعله - عليه السلام - من هذه المعاني الثلاث ، فاعتبرنا ذلك ، فوجدنا أمر الصلاة على سائر الموتى هو أن يصلى عليهم قبل دفنهم ، ثم تكلم الناس في التطوع عليهم قبل أن يدفنوا أو بعدما يدفنون ، فجوز ذلك قوم وكرهه آخرون ، فأمر السنة فيه أوكد من التطوع ; لاجتماعهم على السنة واختلافهم في التطوع ، فإن كان قتلى أحد ممن تطوع بالصلاة عليهم فإن في ثبوت ذلك ثبوت السنة في الصلاة عليهم قبل أوان وقت التطوع بها عليهم وكل تطوع فله أصل في الفرض ، فإن ثبت أن تلك الصلاة كانت من النبي - عليه السلام - تطوعا تطوع به فلا يكون ذلك إلا والصلاة عليهم سنة كالصلاة على غيرهم ، وإن كانت صلاته عليهم لعلمه نسخ فعله الأول وتركه الصلاة عليهم ; فإن صلاته هذه عليهم توجب أن من سنتهم الصلاة عليهم ، وأن تركه الصلاة عليهم عند دفنهم منسوخ ، وإن كانت صلاته عليهم إنما كانت لأن هكذا سنتهم أن لا يصلى عليهم إلا بعد هذه المدة ، وأنهم خصوا بذلك ، فقد يحتمل أن يكون كذلك حكم سائر الشهداء أن لا يصلى عليهم إلا بعد مضي مثل هذه المدة ، ويجوز أن يكون سائر الشهداء تعجل الصلاة عليهم غير شهداء أحد ; فإن سنتهم كانت تأخير الصلاة عليهم ، إلا أنه قد ثبت بكل هذه المعاني أن من سنتهم ثبوت الصلاة عليهم إما بعد حين وإما قبل الدفن ثم كان الكلام بين المختلفين في وقتنا هذا إنما [ ص: 397 ] هو في إثبات الصلاة عليهم قبل الدفن ثم كان الكلام بين المختلفين في وقتنا هذا إنما هو في إثبات الصلاة عليهم قبل الدفن أو في تركها البتة ، فلما ثبت في هذا الحديث الصلاة عليهم بعد الدفن كانت الصلاة عليهم قبل الدفن أحرى وأولى .


