الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2691 ص: وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا : إذا دبغ جلد الميتة أو عصبها فقد طهر ، ولا بأس ببيعه والانتفاع به ، والصلاة عليه .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون وأراد بهم : عمر بن عبد العزيز والنخعي ومحمد بن سيرين وعروة بن الزبير والثوري وسعيد بن جبير والليث والزهري والأوزاعي وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا والشافعي وعبد الله بن وهب وآخرين كثيرين ، فإنهم قالوا : يطهر جلد الميتة بالدباغ ويجوز بيعها والانتفاع بها من كل الوجوه ، وإليه ذهب أهل الظاهر أيضا . [ ص: 173 ] وقال ابن حزم في "المحلى " : ويطهر جلد الميتة أي ميتة كانت ولو أنها جلد خنزير أو كلب أو سبع أو غير ذلك بالدباغ ، بأي شيء دبغ طهر ، فإذا دبغ حل بيعه والصلاة عليه ، وكان كجلد ما ذكي مما يحل أكله ، إلا أن جلد الميتة المذكور لا يحل كله بحال حاشى جلد الإنسان فإنه لا يحل أن يدبغ ولا أن يسلخ ولا بد من دفنه ، وإن كان كافرا ، وصوف الميتة وشعرها وريشها ووبرها حرام قبل الدباغ حلال بعده ، وعظمها وقرنها حرام كله لا يحل بيعه ولا بيع الميتة ولا الانتفاع بعصبها ولا بشحمها ، وقال : قال الشافعي : يتوضأ في جلود الميتة إذا دبغت ، أي جلد كان إلا جلد كلب أو خنزير ، ولا يطهر بالدباغ لا صوف ولا شعر ولا وبر ولا عظام ولا قرن ولا سن ولا ريش إلا الجلد وحده فقط . انتهى .

                                                وقال أبو عمر : وكذلك قال محمد بن عبد الحكم وداود بن علي وأصحابه ، واحتجوا بقوله - عليه السلام - : "أيما إهاب دبغ فقد طهر " حملوه على العموم في كل جلد .

                                                قال أبو عمر : يحتمل أن يكون أراد بهذا القول عموم الجلود المعهودة الانتفاع بها ، وأما جلد الخنزير فلم يدخل في المعنى ; لأنه غير معهود الانتفاع بجلده ، إذ لا تعمل فيه الذكاة ، وذكر ابن القاسم عن مالك أنه خفف الذكاة في جلود السباع ، وكره جلود الحمير مذكاة .

                                                قال ابن القاسم : أما جلد السبع والكلب إذا ذكي فلا بأس ببيعه والشرب فيه والصلاة عليه .

                                                قال أبو عمر : الذكاة عند مالك وابن القاسم عاملة في السباع لجلودها وغير عاملة في الحمير والبغال ، وأما أشهب فقال : جلد الميتة إذا دبغ لا أكره الصلاة فيه ولا الوضوء منه وأكره بيعه ورهنه ، فإن بيع ورهن ، لم أفسخه ، قال : وكذلك جلود السباع إذا ذكيت ودبغت ، وهي عندي أخف لموضع الذكاة مع الدباغ ، فإن لم تذك جلود السباع فهي كسائر جلود الميتة إذا دبغت ، وقال عبد الملك بن حبيب : لا يجوز بيع جلود السباع ولا الصلاة فيها وإن دبغت إذا لم تذك ، ولو ذكيت لمجردها حل بيعها والصلاة فيها ، قال أبو عمر : قول أشهب هذا قول أكثر الفقهاء وأهل [ ص: 174 ] الحديث ، وقال الشافعي : جلود الميتة كلها تطهر بالدباغ وكذلك جلد ما لا يؤكل لحمه إذا دبغ إلا الكلب والخنزير فإن الذكاة لا تعمل فيهما شيئا .

                                                قال أبو عمر : لا تعمل الذكاة عند الشافعي في جلد ما لا يؤكل لحمه ، وحكى عن أبي حنيفة أن الذكاة عنده عاملة في السباع والحمير لجلودها ، ولا تعمل الذكاة عنده في جلد الخنزير ولا عند أحد من أصحابه . انتهى .

                                                وفي "البدائع " تطهر الجلود كلها بالدباغ إلا جلد الآدمي والخنزير ، كذا ذكر الكرخي ، وقال مالك : إن جلود الميتة لا تطهر بالدباغ ، لكن يجوز استعماله في الجامد لا المائع ، بأن جعل جرابا للحبوب دون المرق والماء والسمن والدبس وقال عامة أصحاب الحديث : لا يطهر بالدباغ إلا جلد ما يؤكل لحمه ، وقال الشافعي كما قلنا إلا في جلد الكلب ، فإنه نجس العين عنده كالخنزير وكذا روي عن الحسن بن زياد ، ثم قول الكرخي : "إلا جلد الإنسان " جواب ظاهر قول أصحابنا ، وروي عن أبي يوسف أن الجلود كلها تطهر بالدباغ ; لعموم الحديث ، والصحيح أن جلد الخنزير لا يطهر بالدباغ ، وأما جلد الفيل فذكر في "العيون " عن محمد أنه لا يطهر بالدباغ ، وروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه يطهر ، والله أعلم .




                                                الخدمات العلمية