الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2891 ص: ثم قد روي عن النبي - عليه السلام - في غير شهداء أحد : أنه صلى عليهم فمن ذلك : ما حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا نعيم بن حماد ، قال : أنا عبد الله بن المبارك ، قال : أنا ابن جريج ، قال : أخبرني عكرمة بن خالد أن ابن أبي عمار ، أخبره ، عن شداد بن الهاد ، : " أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي - عليه السلام - فآمن به واتبعه ، وقال : أهاجر معك ، فأوصى به النبي - عليه السلام - بعض أصحابه ، فلما كانت غزوة غنم رسول الله - عليه السلام - فيها أشياء ، فقسم وقسم له ، فأعطى أصحابه ما قسم له ، وكان يرعى ظهرهم ، فلما جاء دفعوا إليه ، فقال : ما هذا قالوا قسم قسمه لك رسول الله - عليه السلام - فأخذه فجاء به النبي - عليه السلام - فقال : يا محمد ، ما هذا ؟! قال : قسمته لك ، قال : ما على هذا اتبعتك ، ولكني اتبعتك على أن أرمى ها هنا -وأشار إلى حلقه- بسهم فأموت وأدخل الجنة ، فقال : إن تصدق الله يصدقك ، فلبثوا قليلا ثم نهضوا إلى [ ص: 400 ] العدو ، فأتي به النبي - عليه السلام - يحمل قد أصابه سهم حيث أشار ، فقال النبي - عليه السلام - أهو هو ؟ قالوا : نعم . قال : صدق الله فصدقه ، وكفنه النبي - عليه السلام - في جبة ثم قدمه فصلى عليه ، فكان مما ظهر من صلاته عليه : اللهم إن هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا ، أنا شهيد عليه " .

                                                ففي هذا الحديث إثبات الصلاة على الشهداء الذين لا يغسلون ; لأن النبي - عليه السلام - في هذا الحديث لم يغسل الرجل ، وصلى عليه فثبت بهذا أن يكون كذلك حكم الشهيد المقتول في المعركة يصلى عليه ولا يغسل ، فهذا حكم هذا الباب من طريق تصحيح الآثار .

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر هذا الحديث لمعنيين :

                                                أحدهما : شاهدا لما ذكره من الدلائل في إثبات الصلاة على الشهداء .

                                                والثاني : ردا على من زعم أنه لم ينقل عن النبي - عليه السلام - أنه صلى على أحد ممن قتل في المعركة في غير غزوة أحد .

                                                وأخرجه بإسناد صحيح : عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن نعيم بن حماد بن معاوية المروزي الفارض الأعور نزيل مصر ، وثقه يحيى والعجلي وروى له الجماعة سوى النسائي لكن مسلما في مقدمة كتابه .

                                                عن عبد الله بن المبارك روى له الجماعة ، عن [ عبد الملك بن] عبد العزيز ابن جريج المكي روى له الجماعة ، عن عكرمة بن خالد بن العاص المكي روى له الجماعة سوى ابن ماجه ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار القرشي المكي ، كان يلقب بالقس لعبادته روى له الجماعة سوى البخاري ، عن شداد بن الهاد الكناني الصحابي واسم الهاد أسامة بن عمرو ، لقب به لأنه كان يوقد النار ليلا للأضياف . [ ص: 401 ] وأخرجه النسائي : أنا سويد بن نصر ، قال : أنا عبد الله ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عكرمة بن خالد ، أن ابن أبي عمار أخبره ، عن شداد بن الهاد : "أن رجلا من الأعراب . . . " إلى آخره نحوه سواء .

                                                وأخرجه الطبراني في "الكبير " : عن إسحاق بن إبراهيم الدبري ، عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج . . . إلى آخره نحوه ، غير أن في روايته : "فلما كانت غزوة خيبر -أو غزوة حنين- غنم رسول الله - عليه السلام - . . . " . وقال أبو عبد الرحمن : ما أعلم أحدا تابع ابن المبارك على هذا ، والصواب : ابن أبي عمار ، عن ابن شداد بن الهاد ، وابن المبارك أحد الأئمة ولعل الخطأ من غيره . وقال في موضع آخر : هذا خطأ والصواب عندنا : عن ابن شداد مرسل .

                                                قلت : تخطئة عبد الله بن المبارك بلا دليل خطأ ، وعدم متابعة أحد إياه لا تضر صحة حديثه لجلالة قدره ، ولئن سلمنا أنه مرسل فهو حجة!

                                                قوله : "من الأعراب " وهم سكان البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها إلا لحاجة ، والعرب اسم لهذا الجيل المعروف من الناس ، ولا واحد له من لفظه والنسبة إليه : عربي ، وإلى الأعراب أعرابي ، وليس الأعراب جمعا للعرب ، وإنما العرب اسم جنس ، والأعراب خاص ، فلا يكون جمعا للجنس ; فافهم .

                                                والعرب العاربة هم الخلص منهم وأخذ من لفظه كقولك ليل أليل ، وربما قالوا : العرب العرباء ، والعرب المستعربة : هم الذين ليسوا بخلص ، وكذلك المتعربة .

                                                قوله : "وكان يرعى ظهورهم " أي إبلهم ، قال ابن الأثير : الظهر : الإبل التي يحمل عليها ويركب ، يقال : عند فلان ظهر : أي إبل .

                                                قوله : "أن أرمى " على صيغة المجهول .

                                                قوله : "أهو هو " بهمزة الاستفهام في هو الأول وفي بعض نسخ النسائي : "أهو أهو " بهمزة الاستفهام في الموضعين ، والصحيح الأول . [ ص: 402 ] قوله : "إن تصدق الله " بنصب لفظة "الله " ، من صدقه الحديث ، بالتخفيف .

                                                قوله : "يصدقك " بتخفيف الدال أيضا .

                                                قوله : "صدق الله " بنصب لفظة "الله " أيضا ، وتخفيف الدال .

                                                قوله : "في جبته " أي في جبة النبي - عليه السلام - ويروى : "وكفنه النبي - عليه السلام - في جبة النبي - عليه السلام - " .




                                                الخدمات العلمية