الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2610 2611 ص: وقد روي في ذلك أيضا عن ابن مسعود - رضي الله عنه - :

                                                ما حدثنا أبو بكرة ، قال : ثنا مؤمل بن إسماعيل ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، قال : [ ص: 77 ] ثنا عاصم ، عن أبي وائل ، قال : قال عبد الله : كنا نتكلم في الصلاة ، ونأمر بالحاجة ، فقدمت على النبي - عليه السلام - من الحبشة وهو يصلي ، فسلمت عليه فلم يرد علي ، فأخذني ما قدم وما حدث ، فلما قضى رسول الله - عليه السلام - صلاته ، قلت : يا رسول الله! نزل في شيء ؟ قال : لا ، ولكن الله يحدث من أمره ما يشاء " .

                                                حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، قال : ثنا محمد بن إدريس ، قال : ثنا سفيان ، عن عاصم . . فذكر بإسناده مثله ، وزاد : "وإن مما أحدث : قضى أن لا تكلموا في الصلاة " . .

                                                فقد أخبر رسول الله - عليه السلام - أن الله -عز وجل- قد نسخ الكلام في الصلاة ولم يستثن من ذلك شيئا ، فدل ذلك على كل الكلام الذي كانوا يتكلمون في الصلاة ، فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي : وقد روي فيما يدل على نسخ الكلام في الصلاة بعد حديث ذي اليدين ، وأن نسخه كان بالمدينة ، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - .

                                                وأخرجه من طريقين صحيحين :

                                                الأول : عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي ، عن حماد ابن سلمة ، عن عاصم بن بهدلة المقرئ ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، عن عبد الله ابن مسعود .

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا موسى بن إسماعيل ، نا أبان ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : "كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجتنا ، فقدمت على رسول الله - عليه السلام - وهو يصلي ، فسلمت عليه فلم يرد علي السلام ، فأخذني ما قدم وما حدث ، فلما قضى رسول الله - عليه السلام - الصلاة قال : إن الله -عز وجل- يحدث من أمره ما يشاء ، وإن الله قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة ، فرد علي السلام . [ ص: 78 ] وأخرجه النسائي أيضا .

                                                الثاني : عن المزني صاحب الشافعي وخال الطحاوي ، عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، عن سفيان بن عيينة ، عن عاصم بن بهدلة . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه أبو داود بهذه الزيادة كما ذكرناه .

                                                فإن قلت : كيف قلت : من طريقين صحيحين وفيهما عاصم بن بهدلة ، وقد قال البيهقي في "المعرفة " صاحبا الصحيح توقيا روايته لسوء حفظه .

                                                قلت : أخرجه ابن حبان في "صحيحه " : وحكم عليه بصحته ، ولما أخرجه أبو داود سكت عنه ، فدل على صحته عنده ، وهذا القدر كاف في صحة الاستدلال .

                                                قوله : "فقدمت على النبي - عليه السلام - من الحبشة " وهو رجوعه من الحبشة إلى المدينة ، قال ابن الجوزي : إن ابن مسعود لما عاد من الحبشة إلى مكة ، رجع في الهجرة الثانية إلى النجاشي ، ثم قدم على رسول الله - عليه السلام - بالمدينة وهو يتجهز لبدر .

                                                قوله : "ما قدم وما حدث " بضم الدال فيهما ، قال ابن الأثير : يعني همومه وأفكاره القديمة والحديثة ، يقال : حدث الشيء -بالفتح- يحدث حدوثا ، فإذا قرن بـ"قدم " ضم للازدواج بـ"قدم " .

                                                قوله : "أن لا تكلموا " أصله : أن لا تتكلموا ، فحذفت إحدى التاءين للتخفيف ، كما في : نارا تلظى أصله تتلظى .

                                                قوله : "فقد أخبر رسول الله - عليه السلام - . . . إلى آخره " إشارة إلى أن حديث ابن مسعود هذا ناسخ لحديث ذي اليدين ، وقد مر الكلام فيه مستقصى . [ ص: 79 ] قوله : "فدل ذلك على كل الكلام " أراد به كلام الناسي والعامد والساهي والجاهل ; فإن ذلك كله سواء في إفساد الصلاة .

                                                وقوله : - عليه السلام - "فلم يرد علي " أعم من عدم الرد باللسان وبالإشارة ، فدل أنه لا يرد السلام بالإشارة أيضا .

                                                ومما يستنبط منه : أنه يرد بعد الفراغ من الصلاة ، دل عليه رواية أبي داود .



                                                الخدمات العلمية