الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2807 ص: وقد روي هذا المذهب عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - .

                                                حدثنا أحمد بن داود ، قال : ثنا مسدد ، قال : ثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : ثنا ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن ابن سخبرة ، قال : " كنا قعودا مع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ننتظر جنازة فمر بجنازة أخرى فقمنا ، فقال : ما هذا القيام ؟ فقلت : ما تأتونا به يا أصحاب محمد! قال أبو موسى : - رضي الله عنه - قال رسول - صلى الله عليه وسلم - : إذا رأيتم جنازة مسلم أو يهودي أو نصراني فقوموا ; فإنكم لستم لها تقومون ، إنما تقومون لمن معها من الملائكة . فقال علي - رضي الله عنه - : إنما صنع ذلك رسول الله - عليه السلام - مرة واحدة ، كان يتشبه بأهل الكتاب في الشيء ، فإذا نهي عنه تركه . "

                                                فأخبر علي - رضي الله عنه - في هذا الحديث أن رسول الله - عليه السلام - إنما كان قام في بدء أمره على التشبه منه بأهل الكتاب وعلى الاقتداء بمن كان قبله من الأنبياء عليهم السلام حتى أحدث له خلاف ذلك -وهو القعود- فثبت بذلك ما صرفنا إليه وجه حديث عبادة . - رضي الله عنه - .

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بهذا المذهب الذي ذهب إليه بقوله : "وليس هذا الحديث عندنا ما يدل على ما ذهبوا إليه . . . إلى آخره " وذلك لأنه ذكر فيه أن حكم النبي - عليه السلام - أن يكون على شريعة النبي - عليه السلام - الذي قبله حتى تحدث له شريعة تنسخ ذلك ، وقد أيد ذلك بما روي عن علي - رضي الله عنه - ، فإنه أخبر في حديثه هذا أنه - عليه السلام - إنما كان يقوم للجنازة في ابتداء الأمر موافقة لأهل الكتاب فيه وعلى الاقتداء بمن كان قبله من الأنبياء عليهم السلام حتى أحدث الله تعالى له خلاف ذلك -وهو القعود- وترك القيام للجنازة ، فكان القيام ثم القعود لهذا المعنى دون ما ذكره أولئك القوم بأنه نسخ القيام لخلاف [ ص: 298 ] أهل الكتاب ، فصح بذلك ما أوله في حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، فصار ما روي عن علي - رضي الله عنه - شاهدا له . فافهم .

                                                ثم إسناد حديث علي - رضي الله عنه - صحيح ، ومسدد بن مسرهد شيخ البخاري وأبي داود ، وعبد الواحد بن زياد العبدي البصري روى له الجماعة ، وليث بن أبي سليم القرشي أبو بكر الكوفي أحد مشايخ أبي حنيفة روى له الجماعة- البخاري مستشهدا ومسلم مقرونا بغيره ، وابن سخبرة وهو عبد الله بن سخبرة الكوفي أبو معمر روى له الجماعة .

                                                والحديث أخرجه الحازمي : ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن ، ثنا أبو بكر الطبري ، ثنا يحيى بن محمد البصري ، ثنا أبو حذيفة ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن أبي معمر قال : "مرت بنا جنازة فقمت ، فقال علي - رضي الله عنه - : من أفتاك بهذا ؟ قلت : أبو موسى الأشعري ، فقال علي - رضي الله عنه - : ما فعله رسول الله - عليه السلام - إلا مرة ، فلما نسخ ذلك ونهي عنه انتهى .

                                                ورواه أبو عاصم ، عن الثوري بالإسناد وقال فيه : "قام رسول الله - عليه السلام - مرة ثم نهي عنه " .

                                                وحديث أبي موسى الأشعري أخرجه الحكم : من حديث ابن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن أبي موسى ، أن رسول الله - عليه السلام - قال : "إذا مرت بكم جنازة إن كان مسلما أو يهوديا أو نصرانيا فقوموا لها ; فإنه ليس يقام لها ولكن يقام لمن معها من الملائكة " .




                                                الخدمات العلمية