الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2929 2930 2931 ص: ففي هذا الحديث : إباحة الدفن في الليل ، وقد يجوز أن يكون النهي الذي ذكرنا في الباب الأول ليس من طريق كراهة الدفن ، ولكن لإرادة رسول الله - عليه السلام - أن يصلي على جميع موتى المسلمين ; لما يكون لهم في ذلك من الفضل والخير بصلاته عليهم ; فإنه حدثنا علي بن شيبة ، قال : ثنا يحيى بن يحيى ، قال : ثنا هشيم ، عن عثمان بن حكيم الأنصاري ، عن خارجة بن زيد ، عن يزيد بن ثابت - رضي الله عنه - : " أن رسول الله - عليه السلام - قال : لا أعرفن أحدا من المؤمنين مات إلا آذنتموني للصلاة عليه ; فإن صلاتي عليهم رحمة " .

                                                وكما حدثنا فهد ، قال : ثنا الحماني ، قال : ثنا حماد بن زيد ، عن ثابت ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - عليه السلام - : " أنه دخل المقبرة فصلى على رجل بعدما دفن ، وقال : ملئت هذه المقبرة نورا بعد أن كانت مظلمة عليهم " .

                                                فيكون رسول الله - عليه السلام - أراد بنهيه عن دفن الموتى في الليل ليكون هو الذي يصلي عليهم ، فيصيبون بصلاته ما وصفنا من الفضل .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي ففي حديث جابر هذا إباحة دفن الموتى بالليل ، بخلاف ما في الحديث الأول .

                                                قوله : "وقد يجوز . . . " إلى آخره ، جواب عن الحديث المذكور ، بيانه : أن النهي المذكور في الحديث الأول ليس لأجل كراهة الدفن بالليل لكونه بالليل ، بل إنما كان لإرادة رسول الله - عليه السلام - أن يصلي على كل من مات من المسلمين ; لينالوا بذلك بركة النبي - عليه السلام - وفضله وخيره ; لأن صلاته عليهم رحمة كما قد صرح - عليه السلام - بذلك بقوله : "فإن صلاتي عليهم رحمة " . في حديث يزيد بن ثابت أخي زيد بن ثابت ، ولأن [ ص: 458 ] صلاته - عليه السلام - عليهم نور في قبورهم كما جاء بذلك في حديث أبي هريرة ، فلأجل ذلك نهاهم - عليه السلام - عن الدفن بالليل حتى لا يحرموا هذه الفضائل العظيمة .

                                                قوله : "فإنه حدثنا " "الفاء " للتعليل والضمير للشأن .

                                                وإسناد هذا الحديث صحيح ورجاله كلهم رجال الصحيح ما خلا عليا .

                                                ويزيد بن ثابت -بالياء آخر الحروف في أوله- هو أخو زيد بن ثابت وهو أكبر من زيد ، يقال : إنه شهد بدرا مع النبي - عليه السلام - .

                                                وأخرجه الطبراني في "الكبير " بأتم منه : ثنا عبيد بن غنام ، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا هشيم ، نا عثمان بن حكيم ، ثنا خارجة بن زيد بن ثابت ، عن عمه يزيد بن ثابت -وكان أكبر من زيد- قال : "خرجنا مع رسول الله - عليه السلام - ، فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد ، فسأل عنه فقالوا : فلانة فعرفها ، فقال : ألا آذنتموني ؟ فقالوا : كنت قائلا صائما فكرهنا أن نؤذيك ، قال : فلا تفعلوا ، لا أعرفن ما مات منكم ميت -ما كنت بين أظهركم- إلا آذنتموني ; فإن صلاتي عليه رحمة ، ثم أتى القبر فصففنا خلفه ، فكبر عليه أربعا " .

                                                وأخرجه النسائي ، وابن ماجه أيضا .

                                                قوله : "ألا آذنتموني " أي ألا أعلمتموني من الإيذان وهو الإعلام ، وفيه دليل لأصحابنا في تقديم الوالي على الولي في الصلاة على الميت ، وأن الحق فيها للإمام الأعظم .

                                                وحديث أبي هريرة كذلك إسناده صحيح ، والحماني هو يحيى بن عبد الحميد ، وقد تكرر ذكره ، وثابت هو البناني ، وأبو رافع الصائغ المدني اسمه نفيع بن الحارث روى له الجماعة . [ ص: 459 ] وأخرجه مسلم : حدثني أبو الربيع الزهراني وأبو كامل فضيل بن حسين الجحدري -واللفظ لأبي كامل- قالا : نا حماد وهو ابن زيد ، عن ثابت البناني ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة : "أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شابا ، ففقدها رسول الله - عليه السلام - فسأل عنها أو عنه ، فقالوا : مات ، قال : أفلا كنتم آذنتموني فيقال : فكأنهم صغروا أمرها أو أمره ، فقال : دلوني على قبره فدلوه ، فصلى عليها ثم قال : إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها ، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم .

                                                وفيه من الأحكام : جواز الصلاة على القبر ، ودفن الميت بالليل ، والقبر له ظلمة على الموتى ، وأنها تنور ببركة صلاة النبي - عليه السلام - عليهم ، وفي معنى ذلك الأعمال الصالحة ، وافتقاد الأحياء الأموات بالخير، مثل : الذكر ، وقراءة القرآن ، والصدقة ، ونحوها .




                                                الخدمات العلمية