الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2813 2814 2815 ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي ، قال : ثنا همام ، قال : ثنا أبو غالب ، قال : " رأيت أنس بن مالك صلى على جنازة رجل فقام عند رأسه ، وجيء بجنازة امرأة فقام عند وسطها ، فقال له العلاء بن زياد : يا أبا حمزة ، هكذا كان رسول الله - عليه السلام - يفعل ؟ قال : نعم . فالتفت إلينا العلاء بن زياد ، فقال : احفظوا " .

                                                حدثنا علي بن شيبة ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أنا همام ، . . فذكر بإسناده مثله ، وزاد فقال العلاء بن زياد : "يا أبا حمزة ، هكذا كان رسول الله - عليه السلام - يقوم من المرأة حيث قمت ومن الرجل حيث قمت ؟ قال : نعم " .

                                                حدثنا فهد ، قال : ثنا الحماني ، قال : ثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن أبي غالب ، عن أنس "أن رسول الله - عليه السلام - كان يقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة " .

                                                قال أبو جعفر : -رحمه الله- فبين أنس - رضي الله عنه - في هذا الحديث أن رسول الله - عليه السلام - كان يقوم من الرجل عند رأسه ، ومن المرأة وسطها ، على ما في حديث سمرة ، فوافق حديث سمرة في حكم القيام من المرأة في الصلاة عليها كيف هي ، وزاد عليه حكم الرجل في القيام منه للصلاة عليه ، فهو أولى من حديث سمرة . - رضي الله عنه - .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي احتج الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث أنس - رضي الله عنه - ; لأنه بين في حديثه أن النبي - عليه السلام - كان يقوم من الرجل عند رأسه ومن المرأة وسطها ; فاتفق حديثه مع حديث سمرة بن جندب المذكور فيما مضى في حكم القيام في الصلاة على الجنازة إذا كانت امرأة ، وزاد عليه -يعني حديث أنس زاد على حديث سمرة - حكم الرجل في القيام في الصلاة عليه فالأخذ به أولى ، لزيادته . [ ص: 307 ] ثم إنه أخرج حديث أنس - رضي الله عنه - من ثلاث طرق حسان جياد :

                                                الأول : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله الحضرمي البصري المقرئ النحوي روى له الجماعة سوى البخاري ، لكن الترمذي في "الشمائل " .

                                                عن همام بن يحيى العوذي البصري روى له الجماعة ، عن أبي غالب البصري ويقال : الأصبهاني صاحب أبي أمامة ، اختلف في اسمه ، فقيل : حزور ، وقيل : سعيد بن الحزور ، وقيل : نافع ، فعن يحيى : صالح الحديث . وقال أبو حاتم : ليس بالقوي . وقال الترمذي في بعض أحاديثه : هذا حديث حسن ، وفي بعضها : هذا حديث صحيح . وقال النسائي : ضعيف . وقال الدارقطني : ثقة . روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه .

                                                وأخرجه الترمذي : نا عبد الله بن منير ، عن سعيد بن عامر ، عن همام ، عن أبي غالب قال : "صليت مع أنس بن مالك على جنازة رجل فقام حيال رأسه ، ثم جاءوا بجنازة امرأة من قريش ، فقالوا : يا أبا حمزة ، صل عليها ، فقام حيال وسط السرير ، فقال له العلاء بن زياد : هكذا رأيت رسول الله - عليه السلام - قام على الجنازة مقامك منها ومن الرجل مقامك منه ؟ قال : نعم . فلما فرغ قال : احفظوا " .

                                                قال أبو عيسى : حديث أنس حديث حسن .

                                                وأخرجه ابن ماجه : عن نصر بن علي الجهضمي ، عن سعيد بن عامر ، عن همام . . . إلى آخره .

                                                الثاني : عن علي بن شيبة بن الصلت ، عن يزيد بن هارون الواسطي ، عن همام بن يحيى . . . إلى آخره . [ ص: 308 ] وأخرجه الطيالسي في "مسنده " : ثنا همام ، نا أبو غالب قال : "شهدت أنسا صلى على رجل فقام عند رأس السرير ، ثم أتي بامرأة من قريش فصلى عليها فقام قريبا من وسط السرير ، وكان فيمن حضر جنازته العلاء بن زياد العدوي ، فلما رأى اختلاف قيامه قال : يا أبا حمزة ، أهكذا كان رسول الله - عليه السلام - يقوم من المرأة والرجل كما قمت ؟ قال : نعم . فأقبل علينا العلاء وقال : احفظوا " .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه " : من طريق الطيالسي .

                                                الثالث : عن فهد بن سليمان ، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني الكوفي صاحب "المسند " الثقة الكبير ، عن عبد الوارث . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه أبو داود مطولا : ثنا داود بن معاذ ، نا عبد الوارث ، عن نافع ، عن أبي غالب قال : "كنت في سكة المربد فمرت جنازة معها ناس كثير ، قالوا : جنازة عبد الله بن عمير فتبعتها ، فإذا أنا برجل عليه كساء رقيق على برذينه على رأسه خرقة تقيه من الشمس ، فقلت : من هذا الدهقان ؟ قالوا : هذا أنس بن مالك ، فلما وضعت الجنازة قام أنس فصلى عليها وأنا خلفه لا يحول بيني وبينه شيء ، فقام عند رأسه فكبر أربع تكبيرات ، لم يطل ولم يسرع ، ثم ذهب يقعد فقالوا : يا أبا حمزة ، المرأة الأنصارية ، فقربوها و [معها] نعش أخضر ، فقام عند عجيزتها فصلى عليها نحو صلاته على الرجل ، ثم جلس فقال العلاء بن زياد : يا أبا حمزة ، هكذا كان رسول الله - عليه السلام - يصلي على الجنائز كصلاتك ، يكبر عليها أربعا ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة ؟ قال : نعم . . . " الحديث . [ ص: 309 ] قوله : "فقال له العلاء بن زياد " وهو العلاء بن زياد بن مطر العدوي أبو نصر البصري الزاهد العابد ، ذكره ابن حبان في التابعين الثقات ، له ذكر في البخاري في تفسير حم المؤمن وفي "سنن " أبي داود في الجنائز ، وروى له النسائي وابن ماجه .

                                                قوله : "في سكة المربد " بكسر الميم : أي في طريق المربد وهو موضع بيع الإبل بالبصرة ، والمربد أيضا موضع يوضع فيه التمر إذا جد لييبس كالجرين وأصله من الإقامة واللزوم ، يقال : ربد بالمكان : أقام به .

                                                قوله : "على برذينه " تصغير برذون وهو الفرس العجمي .

                                                قوله : "الدهقان " بكسر الدال وضمها ، وهي معربة فارسية وهو زعيم فلاحي العجم ورئيس الإقليم ، سموا بذلك من الدهقنة والدهمقة وهي تليين الطعام لترفههم وسعة عيشهم ، والمعروف الدهقنة بالنون .



                                                الخدمات العلمية