الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2978 ص: حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق ، قالا : ثنا عبد الله بن بكر ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، قال : " سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول في إبل سائمة : في [ ص: 524 ] كل أربعين بنت لبون ، ، من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ، ومن منعها [فإنا آخذوها] منه وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا ، لا يحل لأحد منا فيها شيء " .

                                                التالي السابق


                                                ش: عبد الله بن بكر السهمي المجري ، روى له الجماعة .

                                                والحديث أخرجه أبو داود : ثنا موسى بن إسماعيل ، نا حماد ، أنا بهز بن حكيم ، ونا محمد بن العلاء ، أنا أبو أسامة ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله - عليه السلام - قال : "في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون ، ولا تفرق إبل عن حسابها ، من أعطاها مؤتجرا -قال ابن العلاء : مؤتجرا بها- فله أجرها ، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا ، ليس لآل محمد منها شيء " .

                                                وأخرجه النسائي أيضا .

                                                قوله : "مؤتجرا " أي : طالبا للأجر ، وانتصابه على الحال .

                                                قوله : "آخذها منه " أي : آخذ المصدق الزكاة منه ، وأخذ أيضا شطر إبله أي : نصف إبله ، وفي رواية أبي داود : "وشطر ماله " . والمعنى : يأخذ الزكاة ويأخذ نصف ماله .

                                                قوله : "عزمة " نصب بفعل محذوف تقديره : عزم الله علينا عزمة ، والمعنى : إن هذا حق وفرض من فرائض الله .

                                                قال الخطابي : اختلف الناس في القول بظاهر هذا الحديث ، فذهب أكثر الفقهاء أن الغلول في الصدقة والغنيمة لا يوجب غرامة في المال ، وهو مذهب الثوري [ ص: 525 ] وأصحاب الرأي ، وإليه ذهب الشافعي ، وكان الأوزاعي يقول في الغال في الغنيمة : إن للإمام أن يحرق رحله ، وكذلك قال أحمد وإسحاق .

                                                وقال أحمد في الرجل يحمل الثمرة في أكمامها : فيه القيمة مرتين وضرب النكال .

                                                وقال : كل من درأنا عنه الحد أضعفنا عليه الغرم .

                                                ثم الجواب عن هذا الحديث من وجهين :

                                                الأول : بطريق المنع ، وهو أن يقال : لا نسلم أن هذا الحديث صحيح ; لأن الشافعي قال في بهز : ليس بحجة ، وقال أبو حاتم الرازي : هو شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به . وقال ابن حبان : كان يخطئ كثيرا ، ولولا حديثه : إنا آخذوه وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا لأدخلناه في "الثقات " .

                                                الثاني : بطريق التسليم ، وهو أن يقال : سلمنا أن الحديث صحيح ; لأن يحيى بن معين وأحمد احتجا بحديث بهز ووثقاه ، ولكنا نقول : إن هذا كان في أول الإسلام ثم نسخ ، واستدل الشافعي على نسخه بحديث البراء بن عازب فيما أفسدت ناقته فلم ينقل عن النبي - عليه السلام - في تلك القضية أنه ضعف الغرامة ، بل نقل فيها حكمه بالضمان فقط ، وقد يجاب بأن هذا على سبيل التوعد لينتهي فاعل ذلك ، وقيل : معناه أن الحق يستوفى منه ولا يترك عليه ، وإن تلف شطر ماله ، كرجل له ألف شاة فتلفت حتى لم يبق إلا عشرون ، فإنه يؤخذ منه عشر شياه كصدقة الألف ، وهو شطر ماله الباقي أي : نصفه .

                                                وكان إبراهيم الحربي يتأول حديث بهز بن حكيم على أنه يؤخذ منه خيار ماله مثل سن الواجب عليه لا يزاد على السن والعدد ولكن ينتقى خيار ماله ، فتزاد عليه الصدقة بزيادة شطر القيمة . والله أعلم .




                                                الخدمات العلمية