الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2987 2988 ص: فإن قال قائل : أفتكرهها على مواليهم ؟

                                                قلت : نعم ; لحديث أبي رافع الذي قد ذكرناه في هذا الباب ، وقد قال ذلك أبو يوسف في كتاب "الإملاء " ، وما علمت أحدا من أصحابنا خالفه في ذلك .

                                                فإن قال : أفتكره للهاشمي أن يعمل على الصدقة ؟

                                                قلت : لا .

                                                فإن قال : لم ؟ وفي حديث ربيعة بن الحارث والفضل بن عباس - رضي الله عنهم - الذي ذكرت منع النبي - عليه السلام - إياهما من ذلك .

                                                قلت : ما فيه منع لهما من ذلك ; لأنهم سألوه أن يستعملهم على الصدقة ليسدوا بذلك فقرهم فسد رسول الله - عليه السلام - فقرهم بغير ذلك .

                                                وقد يجوز أيضا أن يكون أراد بمنعهم أن يوكلهم على العمل على أوساخ الناس ، لا لأن ذلك يحرم عليهم ; لاجتعالهم منه عمالتهم عليه .

                                                وقد وجدنا ما يدل على هذا : حدثنا أبو أمية ، قال : ثنا قبيصة بن عقبة ، قال : ثنا سفيان ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن عبد الله بن أبي رزين ، عن أبي رزين ، عن علي - رضي الله عنه - قال : "قال لي العباس : قل للنبي - عليه السلام - يستعملك على الصدقة . فسألته ، فقال : ما كنت لأستعملك على غسالة ذنوب الناس " .

                                                أفلا ترى أنه إنما كره له الاستعمال على غسالة ذنوب الناس لا لأنه حرم ذلك عليه لحرمة الاجتعال منه عليه ؟ .

                                                [ ص: 534 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 534 ] ش: أي : فإن قال القائل : هل تكره الصدقة على موالي بني هاشم ؟ والباقي ظاهر .

                                                قوله : "فإن قال : أفتكره للهاشمي أن يعمل " أي : هل تكره للهاشمي أن يكون عاملا على الصدقة ويأخذ العمالة منها ؟ .

                                                قوله : "أن يوكلهم على العمل " بالتخفيف من وكل فلانا على شيء : إذا صرف أمره إليه ، وكذا وكل فلان إلي كذا ، ويجوز بالتشديد أيضا .

                                                قوله : "لاجتعالهم منه عمالتهم " من جعلت له جعلا . وهو الأجرة ها هنا ، و"العمالة " بالضم حيث وقعت ، وهي أجرة العامل على عمله .

                                                قوله : "ما يدل على هذا " وفي بعض النسخ : ما يدلك على هذا ، وأشار به إلى قوله : "وقد يجوز أيضا أن يكون . . . " إلى آخره .

                                                قوله : "حدثنا أبو أمية " بيان لقوله : وقد وجدنا .

                                                وأبو أمية اسمه محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي ، يروي عن قبيصة بن عقبة السوائي الكوفي شيخ البخاري ، عن سفيان الثوري ، عن موسى بن أبي عائشة الهمداني الكوفي أحد مشايخ أبي حنيفة ، روى له الجماعة ، عن عبد الله بن أبي رزين الأسدي وثقه ابن حبان ، عن أبيه أبي رزين مسعود بن مالك - روى له الجماعة البخاري في غير "الصحيح " ، وله ذكر فيه .

                                                وأخرجه البزار في "مسنده " بأتم منه : ثنا محمد بن عمارة بن صبيح ، قال : ثنا قبيصة بن عقبة ، عن سفيان ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن عبد الله بن أبي رزين ، عن أبيه ، عن علي - رضي الله عنه - قال : "قلت للعباس : سل رسول الله - عليه السلام - لنا الحجابة ، فسأله فقال : أعطيكم السقاية ترزؤكم ولا ترزؤونها . قال : وقلت للعباس : سل رسول الله - عليه السلام - يستعملك على الصدقات ، فقال : ما كنت لأستعملك على غسالة ذنوب الناس " . [ ص: 535 ] وهذا الحديث لا نعلم له إسنادا عن علي - رضي الله عنه - إلا هذا الإسناد .




                                                الخدمات العلمية