الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2914 [ ص: 443 ] ص: حدثنا فهد ، قال : ثنا أبو غسان ، قال : ثنا زهير ، قال : ثنا أبو إسحاق ، عن علقمة بن قيس ولم يسمعه منه : " أن عبد الله بن مسعود أتى أبا موسى الأشعري ، فحضرت الصلاة فقال أبو موسى : تقدم يا أبا عبد الرحمن ، فإنك أقدم سنا وأعلم ، فقال : تقدم فإنما أتيناك في منزلك ومسجدك فأنت أحق ، فتقدم أبو موسى ، فخلع نعليه ، فلما سلم قال : ما أردت إلى خلعهما ؟ أبالواد المقدس طوى أنت ؟! لقد رأينا رسول الله - عليه السلام - يصلي في الخفين والنعلين " .

                                                التالي السابق


                                                ش: أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي شيخ البخاري ، وزهير هو ابن معاوية بن حديج روى له الجماعة ، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي روى له الجماعة ، ولم يسمع أبو إسحاق من علقمة بن قيس فيكون الحديث منقطعا ، ويقال : سمع منه فيكون متصلا .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده " : ثنا حسن بن موسى ، ثنا زهير ، عن أبي إسحاق ، عن علقمة بن قيس ولم يسمعه منه . . . إلى آخره نحو رواية الطحاوي ، غير أنه ليس في روايته لفظة "طوى " .

                                                قوله : "ما أردت إلى خلعهما " كلمة "إلى " ها هنا مرادف "اللام " نحو الأمر إليك ، ويجوز أن تكون لانتهاء الغاية على أصلها نحو قولهم : " أحمد إليك الله سبحانه " أي أنهي حمده إليك ، والمعنى ها هنا : لأي شيء تنهي قصدك إلى خلعهما .

                                                قوله : "أبالواد المقدس " إنكار منه على خلعه نعليه ، على سبيل التعجب ، أي : هل أنت في الواد المقدس حتى تخلع نعليك ؟! أراد أن الله تعالى أمر موسى - عليه السلام - بخلع نعليه بالواد المقدس وأنت لست هناك حتى تخلعهما ; وذلك لأن موسى عليه - عليه السلام - أمر بخلع النعلين ليباشر الوادي بقدميه متبركا به ، وقيل : لأن الحفوة تواضع لله ومن ثم طاف السلف بالكعبة حافين ، ومن ذلك استعظم بعضهم دخول المسجد بنعليه ، وكان إذا وقع منه الدخول منتعلا تصدق ، والمقدس معناه المطهر ، من [ ص: 444 ] القدس وهو الطهر ، ومنه قيل للجنة : حظيرة القدس ، وروح القدس : جبريل - عليه السلام - ، والتقديس : التطهير ، وتقدس أي : تطهر ، والأرض المقدسة : المطهرة ، وهي أرض بيت المقدس ، وقيل : الشام ، وقيل : الطور وما حوله ، وقيل : فلسطين ودمشق وبعض الأردن ، والمراد بالواد المقدس هو وادي الطور .

                                                قوله : "طوى " أي طوي مرتين ، أي : قدس ، وقال الحسن : نبتت فيه البركة والتقديس مرتين . وقال الزمخشري في قوله تعالى : إنك بالواد المقدس طوى طوى بالضم والكسر منصرف وغير منصرف بتأويل المكان والبقعة ، وقيل : مرتين نحو ثنى ، أي : نودي نداءين ، أو قدس الوادي كرة بعد كرة ، قال الجوهري : "طوى " اسم موضع بالشام تكسر طاؤه وتضم ، ويصرف ولا يصرف ، فمن صرفه جعله اسم واد ومكان وجعله نكرة ، ومن لم يصرفه جعله بلدة وبقعة وجعله معرفة .

                                                ويستفاد منه : جواز الصلاة في النعلين وفي الخفين ، وأن الأحق بالإمامة أسن القوم وأعلمهم ، وأن صاحب المنزل أولى بالإمامة من غيره .



                                                الخدمات العلمية