الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2735 2736 2737 2738 ص: حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : ثنا أبو أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعت [ ص: 228 ] رسول الله - عليه السلام - يقول : " أسرعوا بالجنازة ، فإن كانت صالحة قربتموها إلى الخير ، وإن كانت غير ذلك كان شرا تضعونه عن رقابكم " .

                                                حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني زمعة بن صالح ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - مثله .

                                                حدثنا ربيع المؤذن ، قال : ثنا أسد ، قال : ثنا سفيان ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - مثله .

                                                حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن عبد الرحمن بن مهران ، أن أبا هريرة حين حضرته الوفاة قال : أسرعوا بي ، فإن رسول الله - عليه السلام - قال : "إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال : قدموني قدموني ، وإذا وضع الرجل السوء على سريره قال : يا ويلتي أين تذهبون بي ؟ " .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه أربع طرق .

                                                الأول : رجاله رجال الصحيح ، ويونس الأول هو ابن عبد الأعلى ، والثاني هو يونس بن يزيد الأيلي ، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري .

                                                وأبو أمامة قيل : اسمه أسعد ، وقيل : سعيد ، وقيل : اسمه كنيته والأول هو المشهور ، وهو من كبار التابعين ، روى له الجماعة .

                                                والحديث أخرجه الجماعة ، والنسائي أخرجه بهذا الطريق : أنا سويد بن نصر ، أبنا عبد الله ، عن يونس ، عن الزهري ، قال : حدثني أبو أمامة بن سهل ، أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله - عليه السلام - . . . . إلى آخره نحوه سواء .

                                                قوله : "فإن كانت صالحة " أي فإن كانت الجنازة صالحة ، وهذا من قبيل ذكر المحل وإرادة الحال ، وذلك لأن الجنازة لا توصف بالصلاح ولا بغيره ، وإنما يوصف به الميت . أو يكون هذا على الحقيقة إذا كان المراد من الجنازة هو الميت ; لأنا [ ص: 229 ] قد ذكرنا أن الجنازة بالفتح اسم للميت ، فحينئذ يكون التأنيث في الفعل باعتبار لفظ الجنازة .

                                                قوله : "قربتموها " من التقريب .

                                                قوله : "كان شرا " يجوز أن يكون الضمير في "كان " راجعا إلى الجنازة ، وكذلك الضمير المنصوب في "تضعونه " فيكون التذكير باعتبار معنى الجنازة ; لأن معناه الميت كما قلنا ، ويجوز أن يعود إلى قوله : "غير ذلك " ، والمعنى يكون ذلك الغير شرا تضعونه عن رقابكم ، وغير الصلاح : الفساد .

                                                والثاني : عن يونس بن عبد الأعلى أيضا ، عن عبد الله بن وهب أيضا ، عن زمعة بن صالح الجندي اليماني ، فعن أحمد ، ويحيى : ضعيف . وعن يحيى : صويلح الحديث . وقال الجوزجاني : متماسك . وقال النسائي : ليس بالقوي ، كثير الغلط . عن الزهري ، روى له مسلم مقرونا بمحمد بن أبي حفصة والأربعة ، أبو داود في "المراسيل " .

                                                عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري . . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه البزار في "مسنده " : ثنا محمد بن بشار ومحمد بن معمر ، قالا : ثنا أبو عامر ، نا زمعة ، عن الزهري ، عن سعيد وأبي سلمة ، عن أبي هريرة يقول : النبي - عليه السلام - قال : "أسرعوا بجنائزكم ، فإن كان خيرا فخيرا تقدموا ، وإن كان شرا تلقونه عن رقابكم " وهذا الحديث لا نعلم رواه عن سعيد وأبي سلمة إلا زمعة عن الزهري .

                                                الثالث : عن ربيع بن سليمان المؤذن ، عن أسد بن موسى ، عن سفيان بن عيينة ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - .

                                                وأخرجه البخاري : ثنا علي بن عبد الله ، ثنا سفيان ، حفظناه عن الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - أنه قال : "أسرعوا بالجنازة ، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه ، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم " . [ ص: 230 ] ومسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وزهير بن حرب ، جميعا عن ابن عيينة -قال أبو بكر : حدثنا سفيان بن عيينة - عن الزهري . . . إلى آخره نحوه ، غير أن في لفظه : "غير ذلك " .

                                                وابن ماجه : عن أبي بكر بن أبي شيبة نحوه .

                                                وأبو داود : عن مسدد ، عن سفيان . . . إلى آخره .

                                                والترمذي : عن أحمد بن منيع ، عن سفيان . . . إلى آخره .

                                                الرابع : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذئب المدني ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن عبد الرحمن بن مهران مولى بني هاشم ، وثقه ابن حبان ، وروى له أبو داود والنسائي وابن ماجه .

                                                وأخرجه النسائي : أنا سويد ، قال : أنا عبد الله ، عن ابن أبي ذئب . . . إلى آخره مقتصرا على قوله : "إذا وضع الرجل الصالح . . . " إلى آخره .

                                                والبيهقي أيضا : من حديث ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن عبد الرحمن بن مهران : "أن أبا هريرة أوصى عند موته : أن لا تضربوا على قبري فسطاطا ، ولا تتبعوني بمجمر ، وأسرعوا بي ، أسرعوا بي ، فإني سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول : إذا وضع الميت على سريره يقول : قدموني قدموني ، وإذا وضع الكافر على سريره قال : يا ويلتاه أين تذهبون بي " . [ ص: 231 ] وأخرج البخاري : عن عبد الله بن يوسف ، ثنا الليث ، ثنا سعيد ، عن أبيه ، أنه سمع أبا سعيد الخدري قال : "كان النبي - عليه السلام - يقول : إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم ، فإن كانت صالحة قالت : قدموني ، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها : يا ويلها أين تذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ، ولو سمع لصعق " .

                                                قوله : "وإذا وضع الرجل السوء " أي السيئ ، وهو بفتح السين وسكون الواو ، وقال الجوهري : ساءه يسوءه سوءا -بالفتح- نقيض سره والاسم السوء -بالضم- وتقول : رجل سوء بالإضافة ، ثم تدخل عليه الألف واللام فتقول : هذا رجل السوء قال الأخفش : ولا يقال : الرجل السوء ; لأن السوء ليس بالرجل ، ولا يقال أيضا : هذا رجل السوء بالضم .

                                                قلت : الحديث يرد عليه ومعنى قوله : الرجل السوء : القصد إلى المبالغة في توصيفه بالقبح والسوء ، كما يقال : الرجل العدل إذا كان كثير العدل ، أو يأول على معنى الرجل ذو السوء كما يقال في رجل عدل : ذو عدل .

                                                قوله : "يا ويلتي " كلمة تقال عند الدعاء على الإنسان ، تقول : ويلك ، وويل زيد . والويل الحزن والهلاك والمشقة من العذاب ، وكل من وقع في هلكة دعا بالويل .

                                                والمعنى ها هنا يا حزني ويا هلاكي ويا عذابي ، أين تذهبون بي ، وليس لي موضع فيه راحة ؟ وقد تبدل الياء ألفا فيقال : يا ويليتا وقد تدخل فيه الهاء فيقال : يا ويلتاه .




                                                الخدمات العلمية