الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2761 2762 ص: حدثنا ربيع المؤذن ، قال : ثنا أسد ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن يعلى بن عطاء ، عن عبد الله بن يسار ، عن عمرو بن حريث ، قال : قلت لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : "ما تقول في المشي أمام الجنازة ؟ فقال علي - رضي الله عنه - : "المشي خلفها أفضل من المشي أمامها كفضل المكتوبة على التطوع ، قلت : ما لي أرى أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - يمشيان أمامها ؟ فقال : إنهما يكرهان أن يحرجا الناس " .

                                                حدثنا روح بن الفرج ، قال : ثنا يوسف بن عدي ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن أبي فروة الهمداني ، عن زائدة بن خراش ، قال : ثنا ابن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، قال : "كنت أمشي في جنازة فيها أبو بكر وعمر وعلي - رضي الله عنهم - ، فكان أبو بكر وعمر يمشيان أمامها ، وعلي يمشي خلفها يدي في يده ، فقال علي - رضي الله عنه - : أما إن فضل الرجل يمشي خلف الجنازة على الذي يمشي أمامها كفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ ، وإنهما ليعلمان من ذلك مثل الذي أعلم ، ولكنهما سهلان يسهلان على الناس " .

                                                ففي هذا الحديث تفضيل المشي خلف الجنازة على المشي أمامها ، وقوله : "أن أبا بكر وعمر يعلمان من ذلك مثل الذي أعلم " وأنهما إنما يتركان ذلك ; للتسهيل على الناس ، لا لأن ذلك أفضل ، وهذا مما لا يقال بالرأي ، وإنما يقال ويعلم بما قد وقفهم عليه رسول الله - عليه السلام - وعلمهم إياه من ذلك .

                                                فقد ثبت بتصحيح ما روينا أن المشي خلف الجنازة أفضل من المشي أمامها .

                                                [ ص: 257 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 257 ] ش: لما قالت أهل المقالة الأولى : ليس فيما رويتم من الأحاديث ما يدل صريحا على أن المشي خلف الجنازة أفضل من المشي أمامها ، شرع يذكر الأحاديث والآثار التي فيها تصريح بأن الأفضل هو المشي خلف الجنازة .

                                                فأخرج عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - من طريقين صحيحين :

                                                الأول : عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي ، عن أسد بن موسى أسد السنة ، عن حماد بن سلمة ، عن يعلى بن عطاء العامري روى له الجماعة البخاري في غير "الصحيح " ، عن عبد الله بن يسار أبي همام الكوفي ، وثقه ابن حبان ، عن عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المدني المخزومي الصحابي .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده " مطولا : ثنا يزيد ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن يعلى بن عطاء ، عن عبد الله بن يسار : "أن عمرو بن حريث عاد الحسن بن علي ، فقال له علي : أتعود الحسن وفي نفسك ما فيها ؟! فقال له عمرو : إنك لست بربي فتصرف قلبي حيث شئت ، قال علي - رضي الله عنه - : إما إن ذلك لا يمنعنا أن نؤدي النصيحة ، سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول : ما من مسلم عاد أخاه إلا ابتعث الله [له] سبعين ألف ملك يصلون عليه من أي ساعات النهار كان حتى يمسي ، ومن أي ساعات الليل كان حتى يصبح . قال له عمرو : كيف تقول في المشي مع الجنازة بين يديها أو خلفها ؟ فقال علي - رضي الله عنه - : [إن] فضل المشي خلفها على بين يديها كفضل صلاة المكتوبة في جماعة على الواحدة . قال عمرو : فإني رأيت أبا بكر وعمر يمشيان أمام الجنازة ؟ قال علي - رضي الله عنه - : إنهما كرها أن يحرجا الناس " . [ ص: 258 ] الثاني : عن روح بن الفرج القطان المصري ، عن يوسف بن عدي بن زريق شيخ البخاري ، عن أبي الأحوص سلام بن سليم الكوفي ، عن أبي فروة عروة بن الحارث الهمداني الكوفي ، وهو أبو فروة الأكبر من رجال مسلم ، عن زائدة بن خراش -بكسر الخاء- وقيل زائدة بن أوس بن خراش الكندي وثقه ابن حبان .

                                                وهو يروي عن ابن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه عبد الرحمن بن أبزى ، إلى آخره ، وعبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مختلف في صحبته ، قال البخاري : له صحبة . وذكره غير واحد في الصحابة ، وقال أبو حاتم : أدرك النبي - عليه السلام - ، وصلى خلفه ، وروى عنه ابناه سعيد وعبد الله ابنا عبد الرحمن بن أبزى ، وكلاهما ثقتان .

                                                والظاهر أن المراد من ابن عبد الرحمن بن أبزى ها هنا هو سعيد ; لأن البيهقي قال : زائدة بن خراش يروي عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى والله أعلم .

                                                وأخرجه البزار في "مسنده " : ثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي فروة -وليس بالذي يروي عن ابن أبي ليلى - عن زائدة الهمداني عن ابن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، عن علي - رضي الله عنه - : "أن أبا بكر وعمر كانا في الجنازة يمشيان أمامها ، وعلي يمشي خلفها ، فقلت لعلي - رضي الله عنه - ، فقال : إنهما قد علما أن المشي خلفها أفضل ، ولكنهما سهلان يسهلان على الناس " .

                                                ولا نعلم روى ابن أبزى عن علي - رضي الله عنه - إلا هذا الحديث .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : ثنا محمد بن فضيل ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن ابن أبزى ، قال : "كنت في جنازة وأبو بكر وعمر أمامها ، وعلي يمشي خلفها ، قال : فجئت إلى علي ، فقلت : المشي خلفها أفضل أو المشي أمامها فإني أراك تمشي خلفها وهذان يمشيان أمامها ؟ قال : [ ص: 259 ] فقال علي - رضي الله عنه - : لقد علما أن المشي خلفها أفضل من أمامها مثل صلاة الجماعة على الفذ ، ولكنهما يسيران ميسران [يحبان أن ييسرا] على الناس .

                                                قوله : "ففي هذا الحديث " أراد به حديث علي - رضي الله عنه - .

                                                قوله : "لا لأن ذلك أفضل " أي لا لأجل أن المشي أمام الجنازة أفضل .

                                                قوله : "وهذا مما لا يقال " أي الحكم بتفضيل شيء على آخر لا يقال بالرأي ولا مجال للرأي فيه ، وإنما هو أمر توقيفي ، ولولا أن عليا - رضي الله عنه - علم ذلك من النبي - عليه السلام - لما فعله ولما قال : "المشي خلفها أفضل من المشي أمامها كفضل المكتوبة على التطوع ، وفضل الرجل يمشي خلف الجنازة على الذي يمشي أمامها كفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ " أي الواحد .




                                                الخدمات العلمية