2955 2956 2957 2958 [ ص: 486 ] ص: وليس على أهل هذه المقالة حجة عندنا في الحديث الأول ; لأنه يجوز أن يكون ما تصدق به النبي من ذلك على أرامل بني عبد المطلب لم يجعله من جهة الصدقة التي تحرم على بني هاشم في قول من يحرمها عليهم ، ولكن جعلها من جهة الصدقة التي تحل لهم ; فإنا قد رأينا الأغنياء من غير بني هاشم قد يصدق الرجل على أحدهم بداره أو بعبده فيكون ذلك جائزا حلالا ولا يحرمه عليه ماله ، وكان ما يحرم عليه بماله من الصدقات هو الزكوات والكفارات والصدقات التي يتقرب بها إلى الله تعالى ، فأما الصدقات التي يراد بها طريق الهبات وإن سميت صدقات فلا ، فكذلك بنو هاشم حرم عليهم ; لقرابتهم من الصدقات مثل ما حرم على الأغنياء بأموالهم .
فأما ما كان لا يحرم على الأغنياء بأموالهم فإنه لا يحرم على بني هاشم بقرابتهم ; فلهذا جعلنا ما كان تصدق به رسول الله - عليه السلام - على أراملهم من جهة الهبات وإن سمي ذلك صدقة ، وهو الذي ينبغي أن يحمل تأويل ذلك الحديث الأول عليه ; لأنه قد روي عن ابن عباس .
ما قد حدثنا ربيع المؤذن ، قال : ثنا أسد ، قال : ثنا سعيد وحماد ابنا زيد ، عن أبي جهضم موسى بن سالم ، عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال : " دخلنا على ابن عباس فقال : ما اختصنا رسول الله - عليه السلام - بشيء دون الناس إلا بثلاث : إسباغ الوضوء ، وأن لا نأكل الصدقة ، وأن لا ننزي الحمر على الخيل " .
حدثنا أحمد بن داود ، قال : ثنا سليمان بن حرب ، قال : أنا حماد بن زيد ، عن أبي جهضم . . . فذكر بإسناده مثله .
حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا أبو عمر الحوضي ، قال : ثنا مرجا بن رجاء ، عن أبي جهضم . . فذكر بإسناده مثله .
قال أبو جعفر : -رحمه الله- : فهذا ابن عباس: - رضي الله عنهما - يخبر في هذا الحديث أن رسول الله - عليه السلام - اختصهم أن لا يأكلوا الصدقة ، فليس يخلو الحديث من أن يكون على ما ذكرنا [ ص: 487 ] في الفصل الأول ، فيكون ما أباح لهم فيه غير ما حرم عليهم في هذا الحديث الثاني ، فيكون معنى كل واحد منهما على ما ذكرنا ، أو يكون الحديث الأول نسخ ما منع منه هذا الحديث الثاني ، فيكون هذا الحديث الثاني ناسخا له ; لأن ابن عباس يخبر فيه بعد موت النبي - عليه السلام - أنهم مخصوصون به دون الناس ، فلا يجوز أن يكون ذلك إلا وهو قائم في وقته ذلك .


