الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2649 2650 2651 2652 2653 ص: وقد روي مثل ذلك أيضا عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - عليه السلام - .

                                                حدثنا أحمد بن داود ، قال : ثنا يعقوب بن حميد ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا ابن أبي فديك ، عن الضحاك بن عثمان ، عن صدقة ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - عليه السلام - قال : " إذا كان أحدكم يصلي فلا يدعن أحدا يمر بين يديه فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين " . [ ص: 129 ] ومعنى هذا معنى حديث أبي سعيد سواء ، وأن ابن آدم في مروره بين يدي أخيه المصلي مرور بقرينه أيضا بين يديه ، وهو شيطان .

                                                ثم قد أجمع على أن مرور بني آدم بعضهم ببعض في صلاتهم لا يقطعها ; قد روي ذلك عن النبي - عليه السلام - من غير وجه .

                                                حدثنا يونس ، قال : ثنا سفيان ، عن كثير بن كثير ، عن بعض أهله ، سمع المطلب يقول : " رأيت النبي - عليه السلام - يصلي مما يلي باب بني سهم ، والناس يمرون بين يديه ليس بينه وبين القبلة شيء " .

                                                حدثنا أحمد بن داود ، قال : ثنا إبراهيم بن بشار ، قال : ثنا سفيان ، قال : سمعت ابن جريج ، يحدث عن كثير بن كثير ، عن أبيه ، عن جده المطلب بن أبي وداعة ، فذكر مثله غير أنه قال : "ليس بينه وبين الطواف سترة " .

                                                قال سفيان : فحدثنا كثير بن كثير بعد ما سمعته من ابن جريج ، قال : أخبرني بعض أهلي ، ولم أسمعه من أبي .

                                                حدثنا يزيد بن سنان ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أنا هشام ، -أراه- عن ابن عم المطلب بن أبي وداعة ، عن كثير بن كثير بن المطلب بن وداعة ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - عليه السلام - بذلك .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد روي عن عبد الله بن عمر مثل ما روي عن أبي سعيد الخدري في درء المصلي المار بين يديه ومقاتلته معه لكونه شيطانا ، ومعنى الحديثين في الحقيقة سواء ; لأنه قال في حديث أبي سعيد : "فإنما هو شيطان " وفي حديث ابن عمر : "فإنه معه القرين " أي الشيطان ، ولا شك أنه إذا مر بين يدي المصلي يمر بقرينه أيضا لأنه لا يفارقه ، فعلى هذا يكون في حديث أبي سعيد مجاز من قبيل ذكر الشيء باسم مجاوره ; لأنه أطلق عليه الشيطان وأراد قرينه ، فيكون حديث ابن عمر مفسرا لحديث أبي سعيد - رضي الله عنهم - فحينئذ اتفق معنى الحديثين ، ولكنهم لما أجمعوا على أن مرور بني آدم بعضهم ببعض في صلاتهم لا يقطع الصلاة كما روي ذلك في أحاديث كثيرة على [ ص: 130 ] ما يأتي ; ثبت بذلك أن مرور غير بني آدم من الحيوانات كذلك لا يقطعها ; لأن النبي - عليه السلام - أمر بالدرء في حق كل مار ولم يخص مارا دون مار ، وأخبر أن كل مار بين يدي المصلي شيطان ، فكانت العلة الموجبة للدرء والمقاتلة عامة في حق الكل ، فكما أنه لا يبطل الصلاة في بني آدم فكذلك في غيرهم .

                                                ثم حديث عبد الله بن عمر صحيح ورجال إسناده ثقات ، غير أن في يعقوب بن حميد اختلافا ، والأكثرون على توثيقه كما ذكرناه .

                                                وابن أبي فديك هو محمد بن إسماعيل بن أبي فديك المدني روى له الجماعة ، والضحاك بن عثمان بن عبد الله أبو عثمان المدني الكبير روى له الجماعة سوى البخاري ، وصدقة بن يسار الجزري ثقة روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه .

                                                وأخرجه مسلم : حدثني هارون بن عبد الله ومحمد بن رافع ، قالا : ثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، عن الضحاك بن عثمان ، عن صدقة بن يسار ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - عليه السلام - قال : "إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه ، فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين " . انتهى .

                                                أي المصاحب من الشياطين ، والقرين يكون في الخير والشر ، وفي الحديث ما من أحد إلا وكل به قرينه أي مصاحبه من الملائكة والشياطين ، وكل إنسان فإن معه قرينا منهما فقرينه من الملائكة يأمره بالخير ويحثه عليه ، وقرينه من الشياطين يأمره بالشر ويحثه عليه .

                                                وأما حديث المطلب بن أبي وداعة السهمي الصحابي - رضي الله عنه - فأخرجه من ثلاث طرق :

                                                الأول : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن سفيان بن عيينة ، عن كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة بن صبيرة السهمي المكي من رجال البخاري ، عن بعض أهله وهو مجهول ، سمع المطلب بن أبي وداعة إلى آخره . [ ص: 131 ] وأخرجه أبو داود في كتاب الحج : ثنا أحمد بن حنبل ، قال : ثنا سفيان بن عيينة ، قال : حدثني كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة ، قال لي بعض أهلي يحدثني عن جده : "أنه رأى النبي - عليه السلام - يصلي مما يلي باب بني سهم والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة ، قال سفيان : ليس بينه وبين الكعبة سترة ، وقال سفيان : كان ابن جريج أخبرنا عنه ، قال : ثنا كثير ، عن أبيه فسألته فقال : ليس من أبي سمعته ، ولكن من بعض أهلي عن جدي .

                                                الثاني : عن أحمد بن داود المكي ، عن إبراهيم بن بشار الرمادي ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الملك بن جريج المكي ، عن كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة ، عن أبيه كثير بن المطلب وثقه ابن حبان ، عن جده المطلب بن أبي وداعة . . . إلى آخره .

                                                وهذا إسناد حسن جيد .

                                                وأخرجه النسائي : أنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : أنا عيسى بن يونس ، قال : ثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، عن كثير بن كثير ، عن أبيه ، عن جده قال : "رأيت رسول الله - عليه السلام - طاف بالبيت سبعا ، ثم صلى ركعتين بحزائه في حاشية المقام وليس بينه وبين الطواف أحد ، وقال ابن المديني : قال سفيان : سمعت ابن جريج يقول : أخبرني كثير بن كثير ، عن أبيه ، عن جده ، فذهبت إلى كثير فسألته ، فقال : لم أسمعه من أبي ، حدثني بعض أهلي عن جدي .

                                                ذكره البيهقي في "سننه " : عن ابن المديني .

                                                الثالث : عن يزيد بن سنان شيخ النسائي أيضا ، عن يزيد بن هارون شيخ أحمد ، عن هشام بن حسان ، عن ابن عم المطلب بن أبي وداعة ، عن كثير بن كثير بن المطلب بن وداعة ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - عليه السلام - . [ ص: 132 ] وفيه أيضا مجهول .

                                                وأخرجه الطبراني : من حديث هشام بن حسان ، عن سالم الخياط ، عن كثير بن المطلب .

                                                وقال : ثنا محمد بن يحيى بن منده الأصبهاني ، ثنا زيد بن أخرم ، ثنا عبد القاهر بن شعيب ، عن هشام بن حسان ، عن سالم بن عبد الله ، عن كثير بن كثير بن المطلب ، عن أبيه ، عن جده : "أن النبي - عليه السلام - خرج من الكعبة فقام حيال الركن ، فصلى ركعتين والناس يمرون بين يديه يطوفون بالبيت الرجال والنساء " .

                                                قوله : "باب بني سهم " باب من أبواب مسجد الكعبة .

                                                قوله : "وبين الطواف " في رواية النسائي بفتح الطاء وتخفيف الواو ، وقد ضبطه بعضهم من أفاضل المحدثين بضم الطاء وتشديد الواو ، وأراد به جمع طائف ، ولكل منهما وجه ، والله أعلم .

                                                واستفيد من الحديث : أن مرور المار بين يدي المصلي لا يقطع صلاته ، وأن درء المار ليس بشرط لصحة الصلاة ، إذ لو كان شرطا لما كان - عليه السلام - ترك الدرء في الحديث المذكور ; لأنه لم ينقل أنه درأهم ، وأن نصب السترة ليس بشرط لصحة الصلاة ; إذ لو كان شرطا لنصبها - عليه السلام - حينئذ .




                                                الخدمات العلمية