الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2683 2684 2685 ص: وقد روي ذلك عن جماعة من المتقدمين :

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : "من نسي صلاة فذكرها مع الإمام فليصل التي معه ثم ليصل التي نسي ثم ليصل الأخرى بعد " .

                                                حدثنا ابن أبي عمران ، قال : ثنا أبو إبراهيم الترجماني ، قال : ثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - عليه السلام - مثله . [ ص: 165 ] حدثنا محمد بن حميد ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنا الليث ، عن سعيد بن عبد الرحمن . . فذكر بإسناده مثله ولم يرفعه .

                                                وقوله : "فليصل التي معه " فذلك محتمل عندنا أن يفعل ذلك على أنها له تطوع .

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار بذلك إلى قوله : "ولا يجب مع قضائها مرة قضاؤها ثانية " وأخرج ذلك عن ابن عمر من ثلاث وجوه : اثنان موقوفان ، وواحد مرفوع .

                                                الأول من الموقوف : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي ، عن مالك . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه مالك في "موطإه " .

                                                وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه " : ثنا حفص بن غياث ، عن مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يقول : "إذا ذكرت و [أنت] تصلي العصر أنك لم تصل الظهر مضيت فيها ثم صليت الظهر ، فإذا صليت العصر وذكرت أنك لم تصل الظهر [فصليت] أجزأتك " .

                                                قوله : "فليصل التي معه " أي فليصل الصلاة التي مع الإمام ، أراد أنه يفعل ذلك على وجه التطوع ، أشار إليه الطحاوي .

                                                وقوله : "فليصل التي معه فذلك . . . إلى آخره " وذلك لأن الحاضرة فسدت بذكر تلك الفائتة ، فلما فسد وصف الصلاة وهو الفرضية بقي أصل الصلاة وهو كونها تطوعا .

                                                قوله : "ثم ليصل الأخرى بعد " أي ثم ليصل الصلاة الأخرى بعد ذلك وهي الصلاة التي قد كان نسيها ، فهذا يدل على وجوب الترتيب ، إذ لو كان غير واجب لما أمر بإعادة الصلاة التي كانت مع الإمام ، فافهم . [ ص: 166 ] الثاني وهو المرفوع : أخرجه عن أحمد بن أبي عمران موسى الفقيه البغدادي ، عن أبي إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم بن بسام الترجماني ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله الجمحي المدني قاضي بغداد في عسكر المهدي زمن الرشيد ، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - العمري المدني ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - عليه السلام - مثل المذكور .

                                                وهذا إسناد صحيح لأن رجاله ثقات .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه " : من حديث أبي إبراهيم الترجماني ، نا سعيد بن عبد الرحمن ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله - عليه السلام - قال : "من نسي صلاة ولم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل مع الإمام ، فإذا فرغ من صلاته فليعد الصلاة التي نسي ، ثم ليعد الصلاة التي صلى مع الإمام ، قال البيهقي : تفرد برفعه الترجماني ، ورواه جماعة عن نافع من قول ابن عمر ، فإعادتها عند الشافعي استحباب لا إيجاب .

                                                قلت : الترجماني أخرج له الحاكم في "المستدرك " وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه ، وعن يحيى بن معين : ليس به بأس . وكذا قال أبو داود والنسائي ، ذكر ذلك المزي في كتابه ، ومشهور عن ابن معين أنه إذا قال عن شخص : ليس به بأس كان توثيقا منه له ; ففي رواية الترجماني زيادة الرفع ، وهي زيادة ثقة فوجب قبولها على مذاهب أهل الفقه والأصول ، ثم على تقدير أنه من قول ابن عمر - رضي الله عنهما - فقد قال : الطحاوي في كتاب "اختلاف العلماء " : لا نعلم عن أحد من الصحابة خلافه ، وكذا ذكر صاحب "التمهيد " ، وذكر في "الاستذكار " قول ابن عمر ثم قال : أوجب الترتيب أبو حنيفة وأصحابه والثوري ومالك والليث ، وأوجبه ابن حنبل في ثلاث سنين وأكثر ، وقال آخذ بقول ابن المسيب فيمن ذكر [ ص: 167 ] صلاة في وقت صلاة ، كمن ذكر العشاء آخر وقت صلاة الفجر ، قال : يصلي الفجر ، ولا يضيع صلاتين قال الأثرم : قيل لأحمد : بعض الناس يقول : إذا ذكرت صلاة وأنت في أخرى لا تقطعها ، وإذا فرغت قضيت تلك ولا إعادة عليك . فأنكره وقال : ما أعلم أحدا قاله ، وأعرف من قال : أقطع وأنا خلف الإمام وأصلي التي ذكرت ; لقوله - عليه السلام - : "فليصلها إذا ذكرها " قال : وهذا شنيع أن يقطع وهو وراء الإمام ، ولكنه [يتمادى مع الإمام ، فإن كان وحده قطع . وقال الشافعي وداود : يتمادى مع الإمام] ثم يصلي التي ذكر ولا يعيد هذه ، وذكر أبو عمر أنه نقض أصله المذكور أولا : ثم ذكر أن الزهري يفتي بقول ابن عمر وهو الذي يروي قوله - عليه السلام - : "فليصلها إذا ذكرها ، قال الله تعالى وأقم الصلاة لذكري " .

                                                وبهذا الحديث يحتج من قدم الفائتة على الوقتية وإن خرج الوقت ، قالوا : جعل ذكرها وقتا لها فكأنهما صلاتان اجتمعتا في وقت ، فيبدأ بالأولى .

                                                الثالث وهو موقوف أيضا : عن محمد بن حميد ، عن عبد الله بن صالح شيخ البخاري ، عن الليث بن سعد ، عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر .

                                                وهو أيضا طريق صحيح ، والله أعلم .



                                                الخدمات العلمية