الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون .

[44] إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يكشف ما استبهم من الأحكام.

يحكم بها النبيون يعني: أنبياء بني إسرائيل الذين أسلموا وانقادوا لأمر الله.

للذين هادوا أي: يحكمون بها في تحاكمهم.

والربانيون من ولد هارون الذين التزموا طريقة النبيين، وجانبوا دين اليهود. [ ص: 301 ]

والأحبار العلماء، واحدهم (حبر) بكسر الحاء وفتحها، وهو العالم المحكم.

بما استحفظوا أي: استودعوا.

من كتاب الله وأمروا بحفظه من التضييع والتحريف.

وكانوا عليه أي: على ما فيه من الأحكام.

شهداء رقباء; لئلا يبدل.

فلا تخشوا الناس في إظهار نعت محمد -صلى الله عليه وسلم- وآية الرجم، والحكم بالحق خوف الظلمة.

واخشون في ترك أحكامي. أثبت أبو عمرو، وأبو جعفر الياء في (واخشوني) حالة الوصل، وأثبتها يعقوب وصلا ووقفا، وأسقطها الباقون في الحالين. قال البيضاوي: نهي للحكام أن يخشوا غير الله في حكوماتهم، ويداهنوا فيها خشية ظالم، أو مراقبة كبير.

ولا تشتروا بآياتي ولا تستبدلوا بأحكامي التي أنزلتها.

ثمنا قليلا هو الرشوة والجاه.

ومن لم يحكم بما أنزل الله مستهينا به، منكرا له.

فأولئك هم الكافرون لاستهانتهم به، وتمردهم بأن حكموا [ ص: 302 ] بغيره، ولذلك وصفهم بقوله: [ (الكافرون) ] (الظالمون) و (الفاسقون) فكفرهم لإنكاره، وفسقهم بالخروج عنه، وظلمهم بالحكم على خلافه، ويجوز أن تكون كل واحدة من الصفات الثلاث باعتبار حال انضمت إلى الامتناع عن الحكم به ملائمة لها، أو لطائفة; كما قيل: هذه في المسلمين; لاتصالها بخطابهم، والظالمون في اليهود، والفاسقون في النصارى، انتهى تفسير البيضاوي.

وقال ابن عباس: "وليس بكفر ينقل عن الملة، بل إذا فعل ذلك، فهو به كافر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر".

وعنه: "الكافرون والظالمون والفاسقون كلها في الكافرين".

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية