الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 420 ]

فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين .

[76] فلما جن أي: أظلم.

عليه الليل رأى كوكبا قرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر، وخلف، وورش، وابن ذكوان: (رأى كوكبا) و (رأى أيديهم) وشبهه بإمالة الراء والهمزة حيث وقع، وافقهم أبو عمرو في إمالة الهمزة فقط، وروي عن السوسي أربعة أوجه: فتح الراء والهمزة وكسرهما، وفتح الراء وكسر الهمزة، وعكسه، وروي عن أبي بكر وجهان: كسر الراء وفتح الهمزة، وكسرهما، وروي عن حمزة: كسر الراء وفتح الهمزة، والباقون: بفتحهما وكذلك (رأى الشمس)، و (رأى الذين) في النحل، و (رأى المجرمون) في الكهف، و (رأى المؤمنون) في الأحزاب.

روي أن إبراهيم عليه السلام ولد في زمن نمرود بن كنعان بن سنحاريب بن كوش بن سام بن نوح، وهو أول من وضع التاج على رأسه، ودعا الناس إلى عبادته، حكي أنه رأى له منجموه أن مولودا يولد له في سنة كذا في عمله يكون خراب الملك على يديه، فجعل يتتبع الحبالى، ويوكل بهن حراسا، فمن وضعت أنثى تركت، ومن وضعت ذكرا حمل إلى الملك فذبحه، وإن أم إبراهيم حملت به، واسمها يونا، وقيل غير ذلك، وكانت شابة قوية، فسترت حملها، فلما قربت ولادتها بعثت تارح أبا إبراهيم إلى سفر، فمضى إليه، ثم خرجت هي إلى غار، فولدت فيه إبراهيم وتركته في الغار، وكان مولده عليه السلام بكوثى، من إقليم بابل، من أرض العراق [ ص: 421 ] على أرجح الأقوال، في ليلة الجمعة ليلة عاشوراء لمضي ألف وإحدى وثمانين سنة من الطوفان، وكان الطوفان بعد هبوط آدم بألفين ومئتين واثنتين وأربعين سنة، وبين مولد إبراهيم عليه السلام والهجرة النبوية المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ألفان وثمان مئة وثلاث وتسعون سنة على اختيار المؤرخين، والاختلاف في ذلك كثير، وتقدم ذكر وفاته وقدر عمره ومحل قبره في سورة البقرة عند تفسير قوله تعالى: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات [الآية: 124] ، وكانت تتفقده في الغار، فتجده يغتذي بأن يمص أصابعه فيخرج منها عسل وسمن ونحو هذا، وكان يشب شبابا لا تشبه الغلمان، يومه كالشهر، وشهره كالسنة، ولم يمكث في الغار إلا خمسة عشر شهرا، وتكلم فقال لأمه يوما: من ربي؟ قالت: أنا، قال: فمن ربك؟ قالت: أبوك، قال: فمن رب أبي؟ قالت: نمرود قال: فمن رب نمرود؟ قالت له: اسكت، فسكت فرجعت إلى زوجها، فقالت له: أرأيت الغلام الذي كنا نتحدث به أنه يغير دين أهل الأرض؟ فإنه ابنك، ثم أخبرته بأمره ومكانه، فأتاه ونظره وفرح به، فقال له إبراهيم: يا أبتاه! من ربي؟ فقال: أمك، قال: من رب أمي؟ قال: أنا، قال: فمن ربك؟ قال: النمرود، قال: فمن رب النمرود؟ فلطمه لطمة، وقال له: اسكت، فذلك قوله عز وجل: ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين [ الأنبياء: 51]، ثم إن إبراهيم قال لأمه يوما: أخرجيني من الغار، فأخرجته عشيا، فلما خرج نظر وتفكر في خلق السموات والأرض، ثم قال: إن الذي خلقني ورزقني ويطعمني ويسقيني لربي، ما لي إله غيره، ثم نظر إلى السماء فرأى كوكبا، قيل: إنه الزهرة، وقيل: المشتري. [ ص: 422 ]

قال هذا ربي ثم أتبعه بصره ينظر إليه.

فلما أفل أي: غاب سئمه.

قال لا أحب الآفلين أي: لا أحب ربا لا يدوم، وهذا يدل على إعمال عقله وعلمه; إذ الآفل لا يجوز أن يكون إلها.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية