الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 98 ] واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا .

[15] ثم خاطب الحكام فقال: واللاتي مبتدأ.

يأتين الفاحشة أي: الزنا.

من نسائكم وخبر اللاتي:

فاستشهدوا عليهن أربعة منكم من المسلمين، وفيه بيان أن الزنا لا يثبت إلا بأربعة من الشهود، بالاتفاق، فيسألهم الحاكم عن ماهيته، وكيفيته، ومكانه، وزمانه، والمزني بها، فإن بينوه وقالوا: رأيناه وطئها كالميل في المكحلة، وعدلوا سرا وجهرا، حكم به بالاتفاق، ويشترط عند أبي حنيفة ومالك حضورهم للشهادة مجتمعين غير مفترقين، فإن افترقوا في الشهادة، كانوا قذفة.

قال أبو حنيفة: إلا أن يكون في مجلس واحد في ساعة واحدة. وعند الشافعي: تصح شهادتهم متفرقين; كما في سائر الحقوق; لإطلاق الآية.

وعند أحمد: يشترط مجيئهم في مجلس واحد، سواء جاؤوا متفرقين، أو مجتمعين، فإن جاء بعضهم بعد أن قام الحاكم، أو شهد ثلاثة وامتنع الرابع، أو لم يكملها، فهم قذفة، وعليهم الحد.

فإن شهدوا عليهن بالزنا. [ ص: 99 ]

فأمسكوهن أي: احبسوهن.

في البيوت حتى يتوفاهن الموت أي: ملائكة الموت.

أو يجعل الله لهن سبيلا طريقا في النكاح المغني عن السفاح، ثم نسخ ذلك بنزول الحد، وهو في حق البكر جلد مئة، وفي حق الثيب الجلد، والرجم، ثم نسخ الجلد، وبقي الرجم، واختلف الأئمة في تغريب البكر الحر بعد الجلد، فقال أبو حنيفة: لا يغرب إلا أن يرى الإمام ذلك مصلحة، فيغربه على قدر ما يرى، وقال مالك: يغرب الرجل دون المرأة وتغريبه أن ينفى سنة إلى غير بلده، فيحبس فيه، وقال الشافعي وأحمد: يجمع في حق الزانيين البكرين بين الجلد والتغريب سنة إلى مسافة قصر، وتغرب المرأة مع محرم، فإن امتنع، لم يجبر.

وأما ثبوت الزنا بالإقرار، فعند أبي حنيفة وأحمد لا يثبت حتى يقر أربع مرات، فأبو حنيفة يشترط أن يكون الإقرار في أربعة مجالس، وأحمد لا يشترط المجالس، فلو أقر أربعا في مجلس واحد، أو مجالس، ثبت عليه، وعند مالك والشافعي يثبت بإقراره مرة واحدة، وإذا أقر بالزنا ثم رجع عنه، قبل رجوعه، وسقط الحد عند الثلاثة، وقال مالك: إن رجع بشبهة يعذر بها; كقوله: وطئت في نكاح فاسد ونحوه، قبل وسقط عنه الحد، وإن لم يرجع إلى شبهة، فعنه روايتان.

واختلفوا في اللوطي، فقال أبو حنيفة: يعزر، ولا حد عليه، خلافا لصاحبيه، وقال مالك: يجب على الفاعل والمفعول به الرجم، أحصنا أو لم يحصنا، وعند الشافعي وأحمد: حكمه حكم الزاني على ما تقدم.

التالي السابق


الخدمات العلمية