الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 256 ] يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون .

[6] يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم أي: أردتم القيام.

إلى الصلاة كقوله تعالى: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله [النحل: 98]; أي: إذا أردت القراءة، وظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة، وإن لم يكن محدثا، والإجماع على خلافه، لأن المراد: إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم على غير طهر; بدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الخمس صلوات بوضوء واحد يوم الفتح.

فاغسلوا وجوهكم وحد الوجه من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين; والذقن طولا، ومن الأذن إلى الأذن عرضا، فيجب غسل جميعه بالاتفاق، فإن كان فيه شعر خفيف يصف البشرة، وجب غسلها معه، وإن كان يسترها، أجزأه غسل ظاهرها، ويستحب تخليله. [ ص: 257 ]

وأيديكم إلى المرافق وتدخل المرافق في الغسل بالاتفاق; لورود السنة بذلك.

وامسحوا برءوسكم الباء مزيدة. واختلف الأئمة رضي الله عنهم في قدر الواجب من مسح الرأس، فقال أبو حنيفة: ربعه، وقال مالك وأحمد: جميعه، وقال الشافعي: قدر ما يطلق عليه اسم المسح، وأجاز أحمد المسح على العمامة إذا كان منها شيء تحت الحنك، وعلى خمر النساء المدارة تحت حلوقهن; خلافا للثلاثة.

وأرجلكم إلى الكعبين وهما العظمان الناتئان من جانب القدمين، وهما مجتمع مفصل الساق والقدم، فيجب غسلهما مع القدمين بالاتفاق. قرأ نافع، وابن عامر، والكسائي، ويعقوب، وحفص: (وأرجلكم) بنصب اللام عطفا على الأيدي، وقرأ الباقون: بالخفض عطفا على الرؤوس، وإن كانت غير ممسوحة؛ حثا على الاقتصاد في صب الماء على الرجلين; لأنهما مظنة الإسراف في صب الماء.

واختلفوا في الترتيب كما ذكره الله تعالى، فقال الشافعي وأحمد بوجوبه، وقال أبو حنيفة ومالك: هو سنة.

واختلفوا في الموالاة، وهي ألا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي [ ص: 258 ] قبله، فقال مالك وأحمد: هي واجبة، وقال أبو حنيفة والشافعي: هي مسنونة.

واختلفوا في التسمية، فقال الثلاثة: هي سنة، وقال أحمد: هي واجبة، لكن تسقط سهوا.

واختلفوا في المضمضة والاستنشاق، فقال أحمد: هما واجبان، ولا يسقطان سهوا، وقال الثلاثة: هما سنة.

وإن كنتم جنبا فاطهروا فاغتسلوا.

واختلفوا في المضمضة والاستنشاق في الغسل، فقال أبو حنيفة وأحمد: هما فرض، وقال مالك والشافعي: هما سنة كما في الوضوء.

واختلفوا في الدلك في الوضوء والغسل، فعند مالك: هو شرط، وعند الثلاثة: لا يشترط إذا عم جسده بالماء.

واختلفوا في النية في الوضوء والغسل، فقال أبو حنيفة: هي مستحبة، وقال الثلاثة: هي واجبة، واختلافهم في التسمية عند الغسل كاختلافهم فيها عند الوضوء كما تقدم قريبا.

وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه أي: من الصعيد، وتقدم في سورة النساء تفسير نظير هذه الآية، واختلاف القراء فيها، واختلاف الأئمة في حكمها مستوفى.

ما يريد الله بالأمر بالطهارة للصلاة أو الأمر بالتيمم. [ ص: 259 ]

ليجعل عليكم من حرج ضيق.

ولكن يريد ليطهركم من الأحداث والذنوب.

وليتم نعمته عليكم بالترخص عند المرض والسفر.

لعلكم تشكرون أي: لتشكروا نعمته فتقبلوا على طاعته.

ودلت الآية على المسح على الخفين، وهو جائز بالاتفاق، فعند الثلاثة: يمسح المقيم يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام بلياليها، أولها من الحدث بعد اللبس، وعند مالك: لا توقيت فيه لمقيم ولا لمسافر، وشرطه أن يلبس بعد كمال الطهارة بالاتفاق.

واتفقوا على أن المسح يخص ما حاذى ظاهر القدمين، ثم اختلفوا هل يسن مسح محاذي باطن القدمين؟ فقال أبو حنيفة وأحمد: لا يسن، وقال مالك والشافعي: يسن، واختلفوا في قدر الإجزاء من المسح على الخفين، فقال أبو حنيفة: مقدار ثلاثة أصابع من اليد، وقال مالك: يستوعب محل الفرض، وقال الشافعي: ما يقع عليه اسم المسح، وقال أحمد: يجب مسح أكثر أعلاه.

التالي السابق


الخدمات العلمية