الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2847 2848 2849 2850 2851 2852 ص: فإن قال قائل : وكيف يكون ذلك ناسخا وقد كبر علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بعد ذلك أكثر من أربع ؟ وذكروا في ذلك ما حدثنا يزيد بن سنان ، قال : ثنا يحيى بن سعيد القطان ، قال : ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، قال : ثنا عامر ، عن عبد الله بن معقل : " أن عليا - رضي الله عنه - صلى على سهل بن حنيف - رضي الله عنه - فكبر عليه ستا " .

                                                حدثنا يزيد ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا إسماعيل ، قال : ثنا موسى بن عبد الله : " أن عليا - رضي الله عنه - صلى على أبي قتادة فكبر عليه سبعا " . قيل له : إنما فعل ذلك ; لأن أهل بدر كانوا كذلك حكمهم في الصلاة عليهم ، يزاد فيها التكبير على ما يكبر على غيرهم من سائر الناس ، والدليل على ذلك : أن إبراهيم بن محمد الصيرفي . حدثنا قال : ثنا عبد الله بن رجاء ، قال : ثنا زائدة ، قال : ثنا يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن معقل قال : " صليت مع علي - رضي الله عنه - على جنازة فكبر عليها خمسا ، ثم التفت فقال : إنه من أهل بدر ، ثم صليت مع علي - رضي الله عنه - على جنائز كل ذلك كان يكبر عليها أربعا " .

                                                حدثنا فهد ، قال : ثنا محمد بن سعيد ، قال : ثنا شريك ، عن جابر ، عن عامر ، عن ابن معقل ، قال : " صلى علي - رضي الله عنه - على سهل بن حنيف ، فكبر عليه ستا ، ثم التفت إلينا فقال : إنه من أهل بدر " . [ ص: 356 ] حدثنا فهد ، قال : ثنا محمد بن سعيد ، قال : أنا حفص بن غياث ، عن عبد الملك ابن سلع الهمداني ، عن عبد خير ، قال : "كان علي - رضي الله عنه - يكبر على أهل بدر ستا ، وعلى أصحاب النبي - عليه السلام - خمسا ، وعلى سائر الناس أربعا .

                                                فهكذا كان حكم الصلاة على أهل بدر .

                                                وقد حدثني القاسم بن جعفر ، قال : ثنا زيد بن أخزم الطائي ، قال : ثنا يعلى بن عبيد ، قال : ثنا سليمان بن بشير قال : " صليت خلف الأسود بن يزيد ، وهمام بن الحارث ، وإبراهيم النخعي ، فكانوا يكبرون على الجنائز أربعا . . قال همام بن الحارث : وجمع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الناس على أربع إلا على أهل بدر ، ، فإنهم كانوا يكبرون عليهم خمسا وسبعا وتسعا " .

                                                فدل ما ذكرنا أن ما كانوا اجتمعوا عليه من عدد التكبير الأربع في عهد عمر - رضي الله عنه - إنما كان على غير أهل بدر ، وتركوا حكم أهل بدر . على ما فوق الأربع فما روي عن زيد بن أرقم مما ذكرنا ، إنما هو لأنه كان ذهب إلى هذا المذهب فيما يرى . والله أعلم .

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير السؤال أن يقال : كيف يكون إجماع الصحابة ناسخا لما زاد على التكبيرات الأربع على الجنازة بمشورة عمر بن الخطاب ، والحال أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كبر بعد ذلك بأكثر من أربع ، وذلك حين صلى على سهل بن حنيف فكبر عليه ستا ، وعلى أبي قتادة فكبر عليه سبعا ؟

                                                وأخرج الأول بإسناد صحيح : عن يزيد بن سنان القزاز شيخ النسائي أيضا ، عن يحيى بن سعيد القطان الأحول ، روى له الجماعة ، عن إسماعيل بن أبي خالد البجلي الكوفي روى له الجماعة ، واسم أبي خالد هرمز ، وقيل : سعد ، وقيل : كثير .

                                                عن عامر بن شراحيل الشعبي روى له الجماعة ، عن عبد الله بن معقل -بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف- بن مقرن -بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة وبالنون- المزني الكوفي ، روى له الجماعة ، أبو داود في "المراسيل " . [ ص: 357 ] وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : ثنا وكيع ، عن شعبة ، عن ابن الأصبهاني ، عن عبد الله بن معقل ، عن علي - رضي الله عنه - : "أنه كبر على سهل بن حنيف ستا " .

                                                ثنا وكيع ، قال : أنا إسماعيل ، عن الشعبي ، عن ابن معقل : "أن عليا كبر على سهل بن حنيف ستا " .

                                                وأخرج الثاني : أيضا بإسناد صحيح عن هؤلاء المذكورين ، غير أن في موضع عامر : موسى بن عبد الله بن يزيد الأنصاري الخطمي الكوفي ، وثقه يحيى والعجلي وابن حبان والدارقطني ، وروى له الجماعة غير البخاري والنسائي ، لكن الترمذي في "الشمائل " .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة : ثنا وكيع ، ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن موسى بن عبد الله بن يزيد قال : "صلى علي - رضي الله عنه - على أبي قتادة فكبر عليه سبعا " .

                                                قلت : اسم أبي قتادة الحارث بن ربعي ، مات بالكوفة سنة ثمان وثلاثين وقيل غير ذلك .

                                                فإن قيل : أخرج البيهقي هذا : من حديث عبيد الله بن موسى ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن موسى بن عبد الله بن يزيد : "أن عليا - رضي الله عنه - صلى على أبي قتادة فكبر عليه سبعا ، وكان بدريا " . ثم قال البيهقي : هكذا روي وهو غلط ; لأن أبا قتادة بقي بعد علي - رضي الله عنه - مدة طويلة .

                                                قلت : رجال ما أخرجه الطحاوي من طريقين ورجال ما أخرجه هو أيضا ثقات ، وهذا أخرجه ابن أبي شيبة : بإسناد صحيح ، فكيف يكون غلطا ، وإنما [ ص: 358 ] غر البيهقي قول من قال : إن أبا قتادة توفي سنة أربع وخمسين ، وهذا قول غير صحيح ، وقد بينا الكلام فيه في باب الجلوس في التشهد مستقصى .

                                                وتقرير الجواب أن يقال : إن أهل بدر - رضي الله عنهم - كانوا يفضلون على غيرهم حتى في التكبير في الصلاة على موتاهم ; فلأجل ذلك فعل علي ما فعل من تكبيره ستا على سهل بن حنيف ، وتكبيره سبعا على أبي قتادة .

                                                وسهل بن حنيف بن واهب الأنصاري الأوسي مات بالكوفة سنة ثمان وثلاثين ، والدليل على ذلك ما رواه عبد الله بن معقل وعبد خير عن علي - رضي الله عنه - .

                                                وأخرج ما رواه عبد الله بن معقل من طريقين :

                                                الأول : عن إبراهيم بن محمد الصيرفي ، عن عبد الله بن رجاء بن عمر الغداني البصري شيخ البخاري ، عن زائدة بن قدامة روى له الجماعة ، عن يزيد بن أبي زياد القرشي الكوفي فيه مقال ، فعن يحيى : لا يحتج بحديثه . وعنه : ليس بالقوي . وعنه : ضعيف الحديث . وقال ابن عدي : وهو من شيعة أهل الكوفة ، ومع ضعفه يكتب حديثه . روى له مسلم مقرونا بغيره ، وروى له الأربعة .

                                                عن عبد الله بن معقل وقد ذكر الآن .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن معقل قال : "كبر علي - رضي الله عنه - في سلطانه أربعا أربعا ها هنا ; إلا على سهل بن حنيف فإنه كبر عليه ستا ، ثم التفت إليهم فقال : إنه بدري " .

                                                والثاني : عن فهد بن سليمان ، عن محمد بن سعيد الأصبهاني شيخ البخاري ، عن شريك بن عبد الله النخعي ، عن جابر بن يزيد الجعفي فيه مقال ، عن عامر الشعبي ، عن عبد الله بن معقل . [ ص: 359 ] وأخرج ما رواه عبد خير بإسناد صحيح ، عن فهد بن سليمان ، عن محمد بن سعيد الأصبهاني ، عن حفص بن غياث بن طلق النخعي الكوفي قاضيها روى له الجماعة ، عن عبد الملك بن سلع الهمداني الكوفي ، وثقه ابن حبان ، وروى له النسائي في "مسند علي " .

                                                عن عبد خير بن يزيد الهمداني الكوفي ، قال العجلي : كوفي تابعي ثقة . وروى له الأربعة .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : ثنا حفص عن عبد الملك بن سلع ، عن عبد خير قال : "كان علي - رضي الله عنه - يكبر على أهل بدر ستا ، وعلى أصحاب رسول الله - عليه السلام - خمسا ، وعلى الناس أربعا " .

                                                قوله : "وقد حدثني القاسم بن جعفر . . . " إلى آخره ، أشار به إلى أن إجماع عمر بن الخطاب مع الصحابة على أن التكبيرات على الجنائز أربع ، خارج عن حكم أهل بدر ، فإن حكمهم مستثنى من ذلك الإجماع ، باق على ما كانوا يكبرون عليهم خمسا وسبعا وتسعا ، والقاسم بن جعفر بن شذونة أبو محمد البصري نزيل مصر ، روى عن زيد بن [أخرم بالخاء المعجمة والراء المهملة] الطائي النبهاني أبي طالب البصري الحافظ شيخ الجماعة سوى مسلم ، عن يعلى بن عبيد بن أبي أمية الإيادي الكوفي ، روى له الجماعة ، عن سليمان بن بشير -بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة- ويقال سليمان بن يسير بضم الياء آخر الحروف في أوله ، وفتح السين المهملة- ويقال : ابن أسير -بضم الهمزة موضع الياء- ويقال : ابن سقير ، ويقال : ابن قسيم ، ويقال : ابن قسم أبو الصباح النخعي الكوفي ، قال يحيى : ضعيف ليس بشيء . وقال أحمد : لا يساوي شيئا . وقال الفلاس : منكر الحديث . وقال البخاري : [ ص: 360 ] ليس بالقوي عندهم . وقال أبو زرعة : واهي الحديث . وقال النسائي : متروك . روى له ابن ماجه حديثا واحدا في فضل القرض .




                                                الخدمات العلمية