باب ذكر اختلاف أهل العلم في ديات أهل الكتاب  
افترق أهل العلم في دية اليهودي والنصراني ثلاث فرق : فقالت فرقة : دية الكتابي مثل دية المسلم . روي هذا القول عن  عمر بن الخطاب  ،  وعثمان بن عفان  ،  وابن مسعود  ،  ومعاوية بن أبي سفيان   . 
 9418  - حدثنا إسحاق بن إبراهيم  ، عن  عبد الرزاق  ، عن رباح بن عبيد الله  ، قال : أخبرني  حميد الطويل  أنه سمع أنسا  يقول : إن رجلا يهوديا قتل غيلة ، فقضى فيه  عمر بن الخطاب  باثني عشر ألف درهم  . 
 9419  - حدثنا أبو يحيى [بن أبي مسرة ]  ، قال : حدثنا  [المقرئ   ] ، قال : حدثنا  سعيد بن أبي أيوب  ، قال : حدثني  يزيد بن أبي حبيب  ، أن جعفر بن عبد الله بن الحكم  أخبره : أن رفاعة بن شمول اليهودي  قتل بالشام  ، فجعل  عمر بن الخطاب  ديته ألف دينار   . 
 9420  - حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب  ، قال : أخبرنا يعلى  ، عن محمد بن إسحاق  ، عن  عبد الله بن أبي نجيح  وأبان بن صالح  ، عن مجاهد  ، عن  عبد الله بن مسعود  قال : دية صاحب الذمة من أهل  [ ص: 170 ] الكتاب  مثل دية المؤمن ، اثني عشر ألفا  . 
 9421  - حدثنا  إسحاق  ، عن  عبد الرزاق  ، عن  معمر  ، عن  الزهري  ، عن سالم  ، عن  ابن عمر  ، أن رجلا مسلما قتل رجلا من أهل الذمة عمدا ، فرفع إلى عثمان  فلم يقتله به ، وغلظ عليه الدية مثل دية المسلم   . 
قال  الزهري   : وقتل خالد بن مهاجر  رجلا من أهل الذمة في زمان معاوية  فلم يقتله به ، وغلظ عليه الدية ألف دينار  . 
 9422  - حدثنا يحيى بن محمد  ، قال : حدثنا أبو الربيع  ، قال : حدثنا  حماد بن زيد  ، قال : حدثنا يحيى  ، عن  سليمان بن يسار  أنه كان يقول : دية المجوسي  ثمانمائة ، ودية أهل الكتاب كعقل أهل ديتهم  . قال : وكان معاوية  يكمل الدية فيه ألف دينار ، فيأخذ خمسمائة فيجعلها في بيت المال ، ويعطي أهل الميت خمسمائة  .  [ ص: 171 ] 
وبه قال  الشعبي  ،  والنخعي  ، ومجاهد  ،  وعطاء  ، وعلقمة   . وقال  الزهري  ، كانت دية المجوسي [واليهودي ] والنصراني في زمن النبي صلى الله عليه وسلم دية المسلم ، وأبي بكر  ، وعمر  ، وعثمان   . وهذا قول  سفيان الثوري  والنعمان  وأصحابه . 
وقالت فرقة : دية الكتابي  نصف دية المسلم . روي هذا القول عن  عمر بن عبد العزيز  ،  وعروة بن الزبير  ،  وعمرو بن شعيب   . وبه قال  مالك   . وحكي ذلك عن  ابن شبرمة  ،  وأحمد بن حنبل  ، غير أن أحمد  قال : وذلك إذا كان خطأ ، وإذا كان عامدا لم يقد به ، ويضاعف عليه اثني عشر ألفا . 
وقالت فرقة : دية الكتابي ثلث دية المسلم . روي هذا القول عن  عمر بن الخطاب  ،  وعثمان بن عفان   . 
 9423  - حدثنا  علي بن الحسن  ، قال : حدثنا عبد الله بن الوليد  ، عن سفيان  ، قال : حدثنا أبو المقدام ثابت بن هرمز  ، عن  سعيد بن المسيب  ، عن  عمر بن الخطاب  ، أنه جعل دية اليهودي والنصراني  أربعة آلاف  .  [ ص: 172 ] 
 9424  - حدثنا  علي بن عبد العزيز  ، قال : حدثنا حجاج  ، قال : حدثنا حماد  ، عن  قتادة  ، عن  سعيد بن المسيب  ، عن  عمر بن الخطاب  ،  وقتادة  ، وحميد  ، عن الحسن  ، عن  عمر بن الخطاب  أنه قال : دية النصراني واليهودي  أربعة آلاف  . 
 9425  - حدثنا موسى  ، قال : حدثنا  أبو بكر   : قال : حدثنا  سفيان بن عيينة  ، عن صدقة بن يسار  ، عن  سعيد بن المسيب   : أن  عثمان بن عفان  قضى في دية اليهودي والنصراني  أربعة آلاف  . 
وبه قال عطاء  ،  وابن المسيب  ، والحسن  ، وعكرمة  ،  وعمرو بن دينار  ،  والشافعي  ،  وأبو ثور  ، وإسحاق   . 
وقد احتج بعض من قال بالقول الأول : بأن الله عز وجل ذكر المؤمن يقتل خطأ ، فأوجب فيه دية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة ، وقال : ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة   ) فلما ذكر ما يجب في المقتولين ذكرا واحدا ، وأجمع أهل  [ ص: 173 ] العلم أن الرقبة التي تجب في قتل المؤمن خطأ ، مثل الرقبة التي تجب في قتل من بيننا وبينهم ميثاق سواء لا فرق بينهما ، وليس مع من يقر بأن الرقبتين سواء ويفرق بين الديتين حجة والله أعلم . واحتج أحمد  بحديث  عمرو بن شعيب  ، عن أبيه  ، عن جده   . 
 9426  - أخبرنا محمد بن عبد الله  ، قال : أخبرنا ابن نافع  ، قال : أخبرنا  ابن أبي الزناد  ، عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي  ، عن  عمرو بن شعيب  ، عن أبيه  ، عن جده  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  "دية اليهودي والنصراني  مثل نصف دية المسلم " . 
وقد احتج بعض من يقول بالقول الثالث بأن في قول النبي صلى الله عليه وسلم  "المؤمنون تكافأ دماؤهم "  . دليل على أن أهل الكتاب لا يكونون أكفياء للمؤمنين في عقل ولا قود ، واحتج بحديث رويناه عن عمرو بن حزم  مرفوعا قال :  "وفي النفس المؤمنة مائة من الإبل "  . قال : وفي  [ ص: 174 ] هذا دليل على أن غير المؤمنة ليست كالمؤمنة . وكان  الشافعي  يقول : يلزم الحكم بالأقل مما أجمع عليه . 
قال  أبو بكر   : ويجعل  الشافعي  ما زاد على أقل ما قيل غير واجب الحكم به لاختلاف أهل العلم فيه . 
وقال آخر ممن يقول بالقول الأول : يحكم بظاهر القرآن ، فيوجب فيه مثل دية المسلم ولا يقتل به ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :  "المؤمنون تكافأ دماؤهم  " ، فإذا قتل مسلم ذميا لم يقتل به ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :  "المؤمنون تكافأ دماؤهم  " ، يلزم القاتل دية كاملة ، لظاهر الكتاب الذي لا يجوز تركه إلا لسنة أو إجماع ، وليس مع من خالف ظاهر الكتاب ، فأوجب شطر دية أو ثلث دية سنة ولا إجماع . قال : وقد يستوي المؤمنون والمعاهدون في كثير من أحكام الإسلام لا فرق بينهم وبين المسلمين في حد الزنا ، والقطع في السرقة ، وقد يقتل الرجل بالمرأة ، وتختلف ديتاهما ، فكذلك الذمي يكافئ المؤمن في الدية ولا يكافئه في القود ، وكما غلظ الله في قتل الذمي في الدية ، وفي تحرير رقبة جعل صيام الشهرين متتابعين لمن لا يجد السبيل إلى الرقبة ، وذلك حكمه في المؤمن سواء ، ولما أجمعوا أن على قاتل الذمي تحرير رقبة أو صيام شهرين إذ لم يجد الرقبة ، لأن الله سوى بينهما في حكم الكتاب ، فكذلك لا فرق بينهما في الدية ، وليس لأحد أن يفرق بين شيئين جمع بينهما الكتاب إلا بسنة ثابتة وإجماع .  [ ص: 175 ] 
				
						
						
