الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر ما يضمن المرء من عقر الكلب ولا يضمن

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يستأذن في منزل قوم ويدخل بإذنهم فيعقره كلبهم . فقالت طائفة : إذا دخل بإذنهم ضمنوا ، وإن دخل بغير إذنهم لم يضمنوا . كذلك قال شريح ، والشعبي ، والنخعي ، وحماد بن أبي سليمان . وكان شريح يضمن عقر الكلب إذا عقر في غير ملك صاحبه .

                                                                                                                                                                              وقال حماد بن أبي سليمان : إذا عقر في دار صاحبه لم يضمن ، وإن عقر خارجا ضمن .

                                                                                                                                                                              وقال كثير من أهل العلم : إن انفلتت دابة رجل لم يضمن ، وإن أرسلها إرسالا فعقرت ضمن ، والحجة في ذلك قوله : "العجماء جرحها جبار" وهي : الدابة المنفلتة ما أصابت في حال انفلاتها فلا شيء على صاحبها .

                                                                                                                                                                              وكان مالك يقول فيمن اقتنى كلبا في دار (لماشية) فعقر ذلك [ ص: 339 ] الكلب إنسانا قال : إذا (أفلته) وقد علم أنه [يفترس] الناس ويعقرهم فهو ضامن .

                                                                                                                                                                              وقال إسحاق بن راهويه في البعير المغتلم : إن تركه عمدا نهارا أغرم ، وإن انفلت منه لم يضمن ما كان نهارا ، كل ما أصاب العجماء والدواب ليلا غرم . كذلك قضى فيه داود وسليمان ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين . واتبعهم أهل العلم فأخذوا بما سنوا .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : إذا أوقف الرجل في ملكه دابة ، ثم أصابت إنسانا فقتله فلا ضمان عليه ، ولا فيما كدمت ، وكذلك الكلب العقور بمنزلة الدابة إذا كان في الدابة مخلى عنه ، أو مربوط فهو سواء ، وإذا دخل رجل دار قوم بإذنهم أو بغير إذنهم فعقره كلبهم فلا ضمان عليهم .

                                                                                                                                                                              وكان مالك يقول في الكلب العقور والجمل العقور : إذا أوقفه صاحبه في داره ثم جاء رجل فأطلقه فعقر أحدا قال مالك : الغرم على صاحبه . قيل لمالك : وإن دخل بغير إذن ؟ قال : قال مالك : السائل وغيره ليس عليهم إذن ، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب . وقال قائل في السبع الضاري والكلب العقور : يضمن ما أصابه . دخل الدار بإذن أو بغير إذن ، لأنه ليس له أن يمسك كلبا عقورا في مكان يصل إلى عقل الناس ، وليس لأحد أن يتخذ بين المسلمين ما يعقرهم . [ ص: 340 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية