الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر إثبات القصاص من العين

                                                                                                                                                                              قال الله عز وجل : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين ) الآية .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : اختلف القراء في قراءة قوله : ( والعين بالعين ) فكان نافع وعاصم والأعمش وحمزة يقرؤونها كلها نصبا ، وكان الكسائي وأبو عبيد يقرآنها رفعا ( والعين بالعين ) ، فمن قرأها بالنصب جعل معناها على معنى قوله ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ) إلى قوله : ( والجروح قصاص ) أي : كتبنا ذلك كله عليهم في التوراة ، ومن قرأها : ( والعين بالعين ) جعل ذلك ابتداء كلام حكم في المسلمين ، وجعل قوله : ( وكتبنا عليهم فيها ) في التوراة دون ما بعده ، وجعل قوله : ( والعين بالعين ) ابتداء حكم في المسلمين ، وهذا أصح القراءتين ، وذلك أنها قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 222 ] أنه قرأ : ( والعين بالعين ) وجب الحكم بالقصاص في العيون بين المسلمين ، ووجب قطع الأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن ، ووجب الاقتصاص من الجروح .

                                                                                                                                                                              9476 - حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا سعيد بن سليمان ومحمد بن معاوية وغيرهما قالوا : حدثنا ابن المبارك ، عن يونس بن يزيد ، عن أبي علي ابن يزيد ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ : ( والعين بالعين ) .

                                                                                                                                                                              9477 - وحدثنا علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبيد قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، عن عباد بن كثير ، عن الزهري ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ( أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص ) . [ ص: 223 ]

                                                                                                                                                                              وممن روي عنه [أنه ] كان يرى القصاص من العين : علي بن أبي طالب ، والشعبي ، والنخعي ، ومسروق ، ومحمد بن سيرين ، والحسن البصري ، والزهري ، وبه قال مالك ومن تبعه من أهل المدينة ، وسفيان الثوري ، والنعمان فيمن وافقهما من أهل العراق ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فالقصاص في العين يجب على قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم "والعين بالعين" وكذلك تقطع الأنف بالأنف ، والأذن بالأذن ، والسن بالسن ، والجروح قصاص ، كأنهم أمروا بالقصاص مخاطبة للمسلمين ابتداء كلام ، والعين بالعين .

                                                                                                                                                                              وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن لا قود من نقص البصر ، إذ غير ممكن الوصول إليه ، وأحسن ما روي في صفة [ ص: 224 ] الاقتصاص من البصر حديث علي بن أبي طالب أنه أمر بمرآة فأحميت ، ثم وضع على العين الأخرى قطنا ، ثم أخذ المرآة بكلبتين فأدناها من عينه حتى سال إنسان عينه .

                                                                                                                                                                              9478 - حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا شجاع ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا أشعث ، عن محمد بن سيرين ، قال : ضرب رجل عين رجل فذهب بصره والعين قائمة ، فأمر علي بمرآة فأحميت ، ثم أمر بالرجل فلفوا على وجهه ثوبا وأبرز العين التي تلي العين التي فقأ ثم أدنى منها المرآة فجعل ينظر إليها حتى ذهب بصره .

                                                                                                                                                                              9479 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن الحجاج ، عن الحكم بن عتيبة ، عن يحيى بن جعدة ، أن أعرابيا قدم بحلوبة له المدينة ، فساومه مولى لعثمان بن عفان ، فنازعه فلطمه ففقأ عينه ، فقال له عثمان : هل لك أن أضعف لك الدية ، وتعفو عنه ؟ فأبى ، فرفعها إلى علي بن أبي طالب فدعا علي بمرآة فأحماها ، ثم وضع القطن على عينه الأخرى ، ثم أخذ المرآة بكلبتين ، فأدناها من عينه حتى سال إنسان عينه .

                                                                                                                                                                              وقال بمثل قول علي : أحمد ، وإسحاق ، والنعمان ، وصاحباه . [ ص: 225 ]

                                                                                                                                                                              وكذلك نقول . وإذا ضرب الرجل عين الرجل فأذهب بعض بصره وبقي بعض ، فأحسن ما قيل في ذلك ما قاله علي : أمر بعينه الصحيحة فعصبت ، وأعطى رجلا بيضة فانطلق بها وهو ينظر حتى انتهى بصره ، ثم خط عند ذلك علما ، ثم أمر به ، فحول إلى مكان آخر ، ففعل ذلك فوجدوه سواء ، فأعطاه بقدر ما نقص من بصره من مال الآخر .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد روينا عن عطاء أنه قال بنحو هذا المعنى . وبنحو ذلك قال مالك والشافعي ، وكذلك نقول .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية