الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في الأولياء الذين يحلفون في القسامة وكم أقل ما يحلف منهم

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الأولياء الذين يحلفون في القسامة .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : لا يحلف في القسامة في العمد أحد من النساء ، وإن لم يكن للمقتول ولاة إلا النساء ، فليس للنساء في قتل العمد قسامة ولا عفو ، هذا قول مالك .

                                                                                                                                                                              وقال مالك : يحلف العصبة والموالي ويستحقون الدم ، قال : ولو أراد النساء أن يعفون فليس ذلك لهن ، العصبة والموالي أولى بذلك [ ص: 431 ] منهن ، لأنهم الذين استحقوا الدم وحلفوا عليه ، فإن عفت العصبة والموالي بعد أن يستحقوا الدم وأبى النساء وقلن : لا ندع قاتل صاحبنا ، فهن أحق بذلك ، لأن من أخذ القود أحق ممن تركه من النساء والعصبة إذا ثبت الدم ووجب القتل .

                                                                                                                                                                              وقال مالك : يحلف من ولاة الدم خمسون رجلا خمسين يمينا فإن قل عددهم أو نكل بعضهم ردت الأيمان عليهم إلا أن ينكل أحد من ولاة المقتول ولاة الدم الذين يجوز لهم العفو عنه فلا سبيل إلى الدم إذا نكل واحد منهم ، وإنما (تردد) الأيمان على من بقي منهم إذا نكل من لا يجوز له العفو ، فإذا نكل أحد من الذين يجوز لهم العفو عن الدم وإن كان رجلا واحدا ، فالأيمان لا ترد على من بقي من ولاة الدم إذا نكل أحد منهم عن الأيمان ، ولكن الأيمان إذا كان ذلك ترد على المدعى عليهم فيحلف منهم خمسون رجلا خمسين يمينا فإن لم يبلغوا خمسين رجلا ، ردت الخمسون اليمين على من حلف منهم ، فإن لم يوجد أحد يحلف إلا الذي ادعى عليه حلف هو خمسين يمينا .

                                                                                                                                                                              وكان سفيان الثوري يقول : ليس على النساء والصبيان قسامة . وقال الليث بن سعد : قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن والأمر عندنا أنه ليس للنساء قود ولا عفو ولا قسامة . وقال الوليد بن مسلم : حدثني الأوزاعي أنه ليس للنساء قسامة ولا عفو ولا قود . [ ص: 432 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد روينا عن النخعي وعطاء أن عفو كل ذي سهم جائز وهو مذهب سفيان الثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، وقد ذكرت هذا الباب في موضع آخر ، وقال عبد الملك الماجشون : ولا يقسم في العمد النساء ، لأنهن لا يشهدن في العمد .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ليس باب القسامة من باب الشهادات بسبيل ، لأن شهادة الرجل لنفسه لا تجوز في شيء يجر إليها ويدفع عنها وهو يقسم فيستحق الدم . وقال الوليد بن مسلم : سألت مالكا والليث بن سعد عن من أقسم من عصبة الدم وولاته ممن لا تجوز شهادته في الأموال وغير ذلك فقالا : تجوز قسامته .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : إذا وجبت القسامة لم يكن لأحد أن يقسم عليه إلا أن يكون وارثا ، كأن قتله عمدا أو خطأ ، وذلك أنه لا يملك بالقسامة إلا دية القتيل ، ولا يملك دية القتيل إلا وارث ، ولا يجوز أن يحلف على (مال) يستحقه إلا من له (الملك لنفسه) أو من جعل الله له المال من الورثة ولا يقسم ذو قرابة ليس بوارث ، والورثة يقسمون على قدر مواريثهم ، وكذلك قال أبو ثور ، قال : لا يقسم إلا وارث ، ويقسم [ ص: 433 ] الورثة رجالا كانوا أو نساء في قول الشافعي ، وأبي ثور .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : يحلف في القسامة الوارث البالغ غير المغلوب على عقله من كان (من مسلم أو كافر عدل وغير عدل ، ومحجور عليه) وغير محجور عليه ، والقسامة في المسلمين على المشركين ، والمشركين على المسلمين فيما بينهم مثلها على المسلمين لا تختلف .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وبهذا نقول .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية