الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الصفة التي بها يستحق اسم الحياة

                                                                                                                                                                              واختلفوا في المعنى الذي به يستحق اسم الحياة .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : لا يكمل له الدية حتى يستهل صارخا .

                                                                                                                                                                              هذا قول شريح ، والزهري ، وقتادة . [ ص: 382 ]

                                                                                                                                                                              وقال قتادة : لو خرج تاما فمكث الروح يجري فيه ثلاثا ، ما ورثته حتى يستهل .

                                                                                                                                                                              وقال ابن عباس ، والنخعي ، والقاسم بن محمد : الاستهلال الصياح .

                                                                                                                                                                              وكان الزهري يقول : أرى العطاس استهلالا .

                                                                                                                                                                              وممن قال بأن حكم الحياة لا يقع إلا بالاستهلال : مالك بن أنس . وقال أحمد وإسحاق : إذا خرج فاستهل ففيه الدية .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه كان يفرض للصبي إذا استهل .

                                                                                                                                                                              وروينا عن ابن الزبير أنه سأل حسين بن علي عن المولود يولد في الإسلام قال : إذا استهل وجب عطاؤه ورزقه . وقال جابر بن عبد الله : يرث إذا سمع صوته .

                                                                                                                                                                              وروينا عن ابن عباس أنه قال : إذا استهل الصبي ورث وورث .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وفيه قول ثان : وهو أن حياة المولود إذا عرفت [ ص: 383 ] بتحريك ، أو صياح ، أو رضاع ، أو نفس ، كانت أحكامه أحكام الحي .

                                                                                                                                                                              هكذا قال الشافعي .

                                                                                                                                                                              وقال سفيان الثوري ، والأوزاعي في مولود ولد حيا ولم يستهل قالا : إذا كان حيا صلي عليه وإن لم يستهل .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن زيد بن ثابت بإسناد لا يثبت أنه قال في السقط يقع فيتحرك قال : كملت ديته استهل أو لم يستهل .

                                                                                                                                                                              وقال قائل : هذا الذي قاله الثوري والأوزاعي والشافعي يحتمل النظر ، لأن المعنى في الاستهلال أن تعرف حياته ، فإذا عرفت حياته بغير الاستهلال وجب أن يحكم له بحكم الاستهلال ، لأنهم قد أجمعوا أن ميراثه يجب باستهلاله لولا حديث ثابت عن رسول الله مخرجه [مخرج] الأخبار لا يجوز عليه النسخ ولا التبديل وهو خارج من باب الأمر والنهي .

                                                                                                                                                                              9607 - حدثنا يحيى قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا عبد الواحد ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان فيستهل صارخا من مسه إلا مريم بنت عمران وابنها" . قال : "إن شئتم قرأتم : [ ص: 384 ] ( وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) " .

                                                                                                                                                                              قال هذا القائل : فنفى النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون مولود يولد إلا استهل صارخا ، إلا ابن مريم وأمه ، قال : وهذا لا يجوز أن يكون غير ما قال : قال : وقصد أصحاب رسول الله إلى الاستهلال دون سائر ما تعرف به الحياة دليل على أن الحياة لا تعرف إلا به . والله أعلم .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية